[من روائع وبدائع العرب في شعرهم!!!!]
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[24 - 02 - 2007, 03:17 م]ـ
كما هو معلوم لديكم أيها القرّاء الأفاضل من أن العرب قد إشتهروا بفصاحتهم وبلاغتهم عن سائر الأمم والشعوب، ويكفي في ذلك ما روي عنهم في أشعارهم وأنثارهم، لكنه مع توالي الدهور وممرالعصور تمادى العرب في فصاحتهم وبلاغتهم حتى صاروا ينظمون القصائد بطرق غريبة وعجيبة، ومن هذه الطرق هو نظم القصائد على أن ظاهرها المدح وحقيقتها الذم دون أن يشعر بذلك سامع للقصيدة.
ومن أجمل ما روي في ذلك قصيدة نظمها الشاعر إسماعيل بن أبي بكر المقري حين أجبر من أحد خلفاء الدولة العباسية بمدحه في قصيدة، فأنشده بقصيدة ذات أبياتٍ عجيبة إذا قرأتها من اليمين كانت مدحاً، وإذا قرأتها من اليسار كانت ذماً دون أن يختل شيئ من أوزانها وأبياتها نحوياً.
وإليكم بعضاً من أبيات هذه القصيدة حيث قال الشاعر:
من اليمين إلى اليسار .... في المدح
طلبوا الذي نالوا فما حُرموا **** رُفعتْ فما حُطتْ لهم رُتبُ
وهَبوا وما تمّتْ لهم خُلقُ **** سلموا فما أودى بهم عطَبُ
جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا **** حُمدتْ لهم شيمُ فما كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين .... في الذم
رُتب لهم حُطتْ فما رُفعتْ **** حُرموا فما نالوا الذي طلبُوا
عَطَب بهم أودى فما سلموا **** خُلقٌ لهم تمّتْ وما وهبُوا
كَسَبوا فما شيمٌ لهم حُمدتْ **** كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
وتستمر هذه البلاغة فتأتي بصورة أخرى، وهي أنك تأتي إلى القصيدة (أعني قصيدة مدح) فاذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت فإنه تصبح لديك قصيدة هجاء. وبالمثال يتضح المقال، فهذه قصيده مدح، قيلت في نوفل بن دارم، فإذا اكتفيت بقراءة الشطر الاول من كل بيت صارت القصيدة ذم له، و إليكم هذه القصيدة حيث قال الشاعر:
قصيدة المدح
إذا أتيت نوفل بن دارم **** امير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كل ظالم **** على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعاجم **** بعرضه وسره المكاتم
لا يستحي من لوم كل لائم **** إذا قضى بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم **** في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم **** إذا لم يكن من قدم بقادم
قصيدة الذم
إذا أتيت نوفل بن دارم **** وجدته أظلم كل ظالم
وأبخل الأعراب والأعاجم **** لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم **** يقرع من يأتيه سن ال نادم
وأخيراً وبعداً عن الإطالة عليكم، إليكم هذه الطريقة الشعرية العجيبة والتي صورتها تختلف عما قبلها لكنها جميلة ورائعة، وهي أنك تستطيع قراءة أبيات القصيدة أفقيا ورأسيا دون أن تتغير القصيدة في تركيبها ومضمونها، وإليكم هذه القصيدة القصيرة حيث قال الشاعر:
ألوم صديقي وهذا محال
صديقي أحبه كلام يقال
وهذا كلام بليغ الجمال
محال يقال الجمال خيال
منقول
ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[24 - 02 - 2007, 05:11 م]ـ
أخي المتميز دوماً الحارث ..
أمتعتنا وأجليت أنظار قرائحنا ..
بورك فيك ..
نقل مسدّد موفق أحقُّ موطنٍ له الفصيح ..
لك جزيل الشكر وخالص الود ..
والسلام,,,
ـ[الحامدي]ــــــــ[24 - 02 - 2007, 05:17 م]ـ
يقول أحمد بن عبدربه في "العقد" عن بيت أبي تمام وهو من قصيدة يرثي بها بني حميد:
لو خَر سيفٌ من العَيُّوق مُنصلتا = ما كان إلا على هاماتهم يَقَعُ
قال: ((فلو هُجي بهذا رجل على أنه أنجس خَلق الله لجاز فيه، ولو مُدح به على مذهب قول الشاعر:
وإنا لتَستحلي المَنايا نُفوسُنا = ونترك أخرى مُرةً ما تَذُوقها
وقول الآخر:
ونحن أناس ما نَرى القَتل سُبَّةً = إذا ما رأتْه عامرٌ وسَلُولُ
يُقَرِّب حبّ المَوت آجالَنا لنا = وتَكرهه آجالهمُ فتَطُول
وما مات منّا سيّد في فِراشه = ولا طُلّ مِنّا حيثُ كان قَتِيل
تسيل على حَدِّ السيوف دماؤنا = وليس على غَير السُّيوف تَسِيل
لجاز ذلك)).
ومن لا يعرف بيتي بشار المشهورين في خياط اسمه عمرو:
خاط لي عمرو قباء = ليت عينيه سواء
فاسأل الناس جميعا = أمديح أم هجاء؟
هذا ما يدعى عند البلاغيين "التوجيه" أو "الإيهام". وهو أن يُؤتى بكلام يحتمل ــ على السواء ــ معنيين متباينين، أو متضادين كهجاء ومديح؛ ليصل القائل إلى غرضه بما لا يؤخذ عليه.
وقد أدرجه السكاكي في المحسنات المعنوية، وعرفه بقوله: ((هو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين))، ومثل للأعور: "ليت عينيه سواء".
وسماه الزمخشري "ذا الوجهين" وسماه الرشيد الوطواط "المحتمل للضدين" وعرفه بقوله: ((ويسمونه أيضا بذي الوجهين، ويكون بأن يقول الشاعر بيتا من الشعر يحتمل معنيين، أحدهما للمدح والآخر للهجاء)).
وسماه آخرون: "الإبهام" و"التخييل" و"المغالطة".
ويختلف عن التورية، في أن وجهي المعنى فيها غير متساويين في القرب والقرينة. أما التوجيهُ فلا يتميز فيه أحد المعنيين عن الآخر، بل يحتملهما اللفظ على السواء.
¥