[إعلانات مبوبة]
ـ[فيشاوي]ــــــــ[04 - 02 - 2007, 11:20 ص]ـ
[إعلانات مبوبة]
لا تتسرع عزيزي القارئ في الحكم على هذا العنوان , فهي بالفعل أعلانات زواج وإعلانات تجارية, ولكنها منذ مئات السنين , فلم يكن لديهم وقتها صحفاً ومجلات يمكن للمرأة وضع إعلان طلب عريس حينما يتأخر مجيئه ولم يكن لديهم إنترنت , بل كان الشعراء هم السبيل الوحيد لنشر إشاعة أو حقيقة , ذماً كانت أم مدحاً, وكان لقولهم (أي الشعراء) أثراً سريعاً قد يكن أسرع من إعلان بصحيفة أو وضع صورة بالإنترنت , ولعلي لا أكن مبالغاً إن قلت أن فن الدعاية والإعلان نشأ على يد هؤلاء الشعراء , فلو بحثنا في أشعارهم سنجد الكثير مما استعمل في الترويج لسلعة , أو لإمرأة , أو حتى للحاكم , أو لنشر خبر معين وطمس آخر.
ودعني أسوق لك بعض قصصهم التي كانت أبيات الشاعر سبباً لزواج الفتيات
* جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت: إن لي بناتٍ قد كسدن علي (فاتهن سوق الزواج)، فشبب بواحدة منهن لعلها أن تنفق (أن تتزوج). فشبب بواحدة منهن، فما شعر الأعشى إلا بجزور قد بعث به إليه. فقال: ما هذا؟ فقالوا: زُوجت فلانة.
فشبب بالأخرى فأتاه مثل ذلك، فسأل عنها فقيل: زُوجت.
فما زال يشبب بواحدة فواحدة منهن حتى زُوجن جميعاً.
* وهناك رواية أخرى لقصة شبيهة بهذه بطلها أيضاً الأعشى ولم أتحقق هل هي نفس الرواية أم غيرها:
كان الأعشى يوافي سوق عكاظ في كل سنة، وكان المحلق الكلابي (1) مئناثاً (أي كثير الإناث والمقصود كثير البنات) مملقاً (أي فقيراً مفلساً).
فقالت له امرأته: يا أبا كلاب، ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر! فما رأيت أحداً اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيراً.
قال: ويحك! ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل!.
قالت: الله يخلفها عليك.
قال: فهل له بد من الشراب والمسوح؟
قالت: إن عندي ذخيرةً لي ولعلي أن أجمعها.
قال: فتلقاه قبل أن يسبق إليه أحدٌ وابنه يقوده فأخذ الخطام.
فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟
قال: المحلق.
قال: شريفٌ كريم.
ثم سلمه إليه فأناخه؛ فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها، ثم سقاه، وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه.
فقال: ما هذه الجواري حولي؟
قال: بنات أخيك وهن ثمانٍ شريدتهن قليلة.
قال: وخرج من عنده ولم يقل فيه شيئاً. فلما وافى سوق عكاظ إذا هو بسرحةٍ قد اجتمع الناس عليها وإذا الأعشى ينشدهم.
لعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ*****إلى ضوء نار باليفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها*****وبات على النار الندى والمحلق
رضيعي لبان ثدي أمٍ تحالفا*****بأسحم داجٍ عوض لا نتفرق
فسلم عليه المحلق؛ فقال له: مرحباً يا سيدي بسيد قومه. ونادى: يا معاشر العرب، هل فيكم مذكارٌ يزوج ابنه إلى الشريف الكريم!. قال: فما قام من مقعده وفيهن مخطوبةٌ إلا وقد زوجها.
* وهذه حكاية أخرى كانت بطلتها هي العروس فهي التي طلبت من الشاعر أن يشبب بها.
وقف نصيبٌ (هو نصيب بن رباح الشاعر) على أبيات فاستسقى ماءً، فخرجت إليه جاريةٌ بلبنٍ أو ماءٍ فسقته. وقالت: شبب بي.
فقال: وما اسمك؟
فقالت: هندٌ.
ونظر إلى جبلٍ وقال: ما اسم هذا العلم؟
قالت: قناً. فأنشأ يقول:
أحب قناً من حب هندٍ ولم أكن*****أبالي أقرباً زاده الله أم بعدا
ألا إن بالقيعان من بطن ذي قناً*****لنا حاجةً مالت إليه بنا عمدا
أروني قناً انظر إليه فإنني*****أحب قناً إني رأيت به هندا
قال: فشاعت هذه الأبيات، وخطبت هذه الجارية من أجلها، وأصابت بقول نصيب فيها خيراً كثيراً.
* ولم يقف أثر أبيات الشاعر على زواج الفتيات فقط بل تعداها إلى الترويج للسلع والبضائع , ولعل القصة التالية تظهر لك أثر الإعلان الذي لم يتعد بيتين من الشعر على رواج البضاعة.
أن تاجراً من أهل الكوفة قدم المدينة بخُمر (جمع خمار) فباعها كلها وبقيت السود منها فلم تنفق، وكان صديقاً لسعيد الدرامي، فشكا ذاك إليه، وقد كان نسك وترك الغناء وقول الشعر؛ فقال له: لاتهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع؛ ثم قال:
قل للمليحة في الخمار الأسود*****ماذا صنعت براهبٍ متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه*****حتى وقفت له بباب المسجد
وشاع في الناس وقالوا: قد فتك الدارمي ورجع عن نسكه؛ فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خماراً أسود حتى نفذ ما كان مع العراقي منها؛ فلما علم بذلك الدارمي رجع إلى نسكه ولزم المسجد.
* وهذه الحكاية أيضا نعتبرها إعلاناً تجارياً, حتى وإن ادعت روايات أخرى حباً بين ذي الرمة وخرقاء , فلقد نال خرقاء (والتي صنعتها التكحيل ومداواة العيون) من تلك الأبيات شهرة كبيرة.
شبب ذو الرمة بخرقاء العامرية بغير هوى, وإنما كانت كحّالة (أي تكحل العيون وتداويها بالكحل) فداوت عينه من رمد كان بها فزال.
فقال لها: ما تحبين حتى أعطيك
فقالت: عشرة أبيات تشبب بي ليرغب الناس (هل كانت بالفعل تريد رغبة الناس أم تريد شهرة صنعتهاالتي تتكسب منها , لا ندري) فيّ إذا سمعوا أن فيّ بقية للتشبيب ففعل.
وانتشرت أبياته واشتهرت خرقاء حتى أن اسمها ارتبط باسم ذي الرمة فأصبح خرقاء ذي الرمة.
ولعل الله أن يكتب لنا وقتاً وعمراً فنجمع قصصاً أخرى في فن الدعاية والإعلان في الشعر العربي.
هوامش:
(1) وتروى تلك الحكاية مع بعض الإختلاف , فالبنات بالرواية الأخرى هن أخوات المحلق , والقرى الذي قدمه المحلق للأعشى لحقه به بعد أن رحل , والمرأة التي حضته على ذلك هي عمته وليست زوجته , وأن الأغشى مدح المحلق بأبيات , وما يهمنا بالحكاية أو الشاهد من الحكاية هو الدعاية التي أدت إلى زواج الفتيات.
¥