[الصعلكة والصعلوك والصعاليك!]
ـ[الأسد]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 12:59 ص]ـ
يتبادر إلى الذهن سريعا أن الصعلكة هي الفقر والعوز , وكذلك الصعلوك هو الفقير المحتاج , وهذا ما أشارت إليه كثير من المعاجم اللغوية، إلا أن الصعلكة كظاهرة أدبية تختلف عن هذا المعنى اختلافا يسيرا وإن كانت منبثقة منه , فهي ظاهرة أدبية نشأت في العصر الجاهلي , وتعني تلك الطائفة التي اعتمدت على الفتك واللصوصية والسلب والنهب في معيشتهم وطلب رزقهم , فقد ثار هؤلاء اللصوص والفتاك على أعراف مجتمعهم , وعادات بيئتهم , لاسيما قبائلهم التي تعتبر في ذلك العصر بمثابة الحكومة لأفراد شعبها ورعاياها , فأدى ذلك الصراع معهم إلى نبذهم من قبائلهم واحتقارهم , ما أدى بهم إلى التشرد والتشتت؛ وهذا ما أملى عليهم امتهان السلب والنهب.
ولقد برع بينهم شعراء كثر اشتهروا على مستوى الأدب العربي بجمال شعرهم وواقعيته لاسيما وأنه منطلق من دافع ذاتي يخرج من أعماق النفس التي تحس بالنقص , وتشعر بالفقد , ومن أشهرهم على سبيل المثال:
الشنفرى صاحب (لامية العرب) المشهورة , وتأبط شرا , وعروة بن الورد , (أمير الصعاليك) والسليك بن السلكة , وعمرو بن براق , وأبو خراش الهذلي , وفرعان بن الأعرف التميمي , ومالك بن الريب التميمي.
ومن يرجع إلى دواوينهم يجد الروعة في شعرهم , والقمة في تعبيرهم عن واقعهم , ومع ذلك فقد ظلم هؤلاء الشعراء الصعاليك من قبل الدارسين والباحثين والنقاد كثيرا بسبب ما كانوا يقومون به من سلب ونهب وغارات على القبائل , فانتقص حقهم حين ركزالكثيرمنا على الجوانب المظلمة في شعرهم , وأغمض عينيه عن الجوانب المضيئة , وهذا من الإجحاف بحقهم , فمن يقرأ أشعارهم يجد فيها أنماطا عديدة من الصفات الفاضلة والأخلاق الحسنة , ولنضرب مثالا على ذلك بقول جميل لعروة بن الورد الذي يقول:
فراشي فراش الضعيف والبيت بيته = ولم يلهني عنه غزال مقنع ُ
أحدّثه إن الحديث من القِرى = وتعلم نفسي أنه سوف يهجعُ
وهذا تعبير في غاية الجمال فهو يفخر بكرمه مع قلة حيلته وقلة يده مع أنه فقير لا يملك مايكرم به ضيفه سوى فراشه الضعيف، وبيته المتهالك، وحديثه الذي جعله من صفات الكرم حينما لا يجد غير الحديث مع ضيفه.
ويقول في قصيدة له أخرى:
إني امرؤ عافي إنائي شركة ٌ = وأنت امرؤ عافي إنائك واحدُ
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة = وأحسو قراح الماء والماء باردُ
فهذا هو الكرم الحقيقي الذي ينتقل من الكرم المعقول إلى الكرم اللامعقول، والكرم مع الفاقة والحاجة هو كرم منقطع النظير، وهو ذروة الكرم وسنامه.
والذي ينظر في أشعارهم ويقرأ أخبارهم يجد فيها أنماطا عدة من الصفات النبيلة، كالاعتزاز بالنفس، والاعتماد عليها، وإباء الضيم، وحب الأصحاب، والكرم، والشجاعة، والقوة المتناهية إلى درجة أنه ضرب بهم المثل فقيل (أعدى من الشنفرى) و (أعدى من السليك).
لقد ضرب هؤلاء الصعاليك مثلا في الصبر، والقوة، والكرم، ونحوها حتى أن الشنفرى يقول في صبره على الجوع وتحمله:
وإني لأثوي الجوع حتى يملني = فيذهب لم يدنس شبابي ولا هرم ِ
مخافة أن أحيا برغم وذلة = وللموت خير من حياة على رغم ِ
والأبيات كثيرة ولكن حسبنا الإشارة إلى مايمثل تلك النبرات الحزينة التي تنطوي على الأخلاق العالية.
وأخيرا لابد وأن تكون ردة فعل هؤلاء الصعاليك عنيفة تجاه مجتمعهم وقبائلهم الذين نبذوهم، وبالتالي فهم يغزون ويسلبون، وهذا أمر طبيعي في ذلك العصر لاسيما إذا أدركنا أن ذلك العصر كان معتمدا على قاعدة القوي يأكل الضعيف، والفقير يغير على الغني، وقد كان هذا سائدا بين القبائل العربية بشكل عام أنذاك 00
ـ[الملك الضليل]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 01:58 ص]ـ
بارك الله فيك ونفعنا بك، يا أسد
ـ[الرياني]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 03:04 م]ـ
السلام عليكم
جميل جدا هذا الموضوع، وقد ذكرني بصديقي الشاعر (خالد المغربي) الذي طالما أطلق علينا؛ - هو و أنا - وصف الشعراء الصعاليك، وذلك لما نجده من تهميش وتجاهل في الأوساط "الأدبية;) " في بلادنا.
أحببت أن تشاركوني هذه المشاعر .. أتمنى أن تجد عندكم قبولا
ترنيمات صُعلوك
وعدٌ يا شِعري سأجاهد
لن يُخْلِفَ مَوْعِدَهُ الواعدْ
لا جيشَ معي إلا قلمي
بنزيفي الحِبْرِيّ أُجَالِدْ
يا شعرا قطعني مِزقا
حتّامَ أُعانَدُ وأُعانِدْ
كم بيتٍ في مرمى قلمي
كم بيتٍ يَبْعُدُ كعطاردْ
كم معنىً يبدوا طَيْفِيّا
وأظل أُطَارِدُ وأُطَارِدْ
أَتَصَعْلَكُ وَحْدي في شعري
أتسكع كالفكر الشاردْ
سئمَ السُّمّارُ حكايتنا
ملَّ الراوي بُحَّ الساردْ
والشعر بأعماقي حِمَمٌ
قد سئم الإبريقَ الماردْ
يا تجارَ الحرفِ خَسِئْتُمْ
تبّتْ يَدُكُمْ شُلّ الساعدْ
قلمي حذرني: صعلوكي
لا تتعاطَ الشعرَ الباردْ
كُن صعلوكا ذا أخلاق
لا تكتب كالشعر السائدْ
يا قلمي مهلا لي رِفْدٌ
من فكري أنْعِم بالرافدْ
وحدي وخصومي عشراتٌ
عشرات لم تغلب واحدْ
صعلوك "كتأبّط شرا"
أتأبط للحزن مواردْ
لم يأكل "بيل غتس" طعامي
ليس صديقي "دودي الفايدْ"
لا "أوناسيس" اليوناني
من صحبي لا صحب الوالدْ
ما دَلَفَ السّلطانُ بلاطي
لم آكل بالشعر موائدْ
صعلوك وطني أوراقي
أتبختر في ثوبي البائدْ
أتصعلك منتشيا وحدي
وأظنك مثلي يا "خالدْ"