ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ... ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ
وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه** سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ
بُغتَ الشقيُّ، فصاح في هزل** القضا متلفِّتاً للصائل المُنتابِ
وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً:** «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟»
لاشيءِ، وإلا أنني متعزلٌ ... بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي
«أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً** وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي»
«أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! ** أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟»
«لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا** رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!»
«وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ .. ،** ما لَهُ عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!»
ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها **حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
«أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ** والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي»
«لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى** وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب»
فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ** وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ:
«يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني** أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ التلاّبِ»
والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى **جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها** شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي»
أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى** ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي»
وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ** فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ»
«وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها** يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ»
«فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً**، قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ
أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي *فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي»
وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً** في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي
«وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي** وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي .. ؟
إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً** في روحي الباقي على الأحقابِ ..
فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه** أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي»
فأجابه الشحرورُ، في غُصًَِ الرَّدى* والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»:
لا أرى للحقِّ الضعيف، ولا صدّى** الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ
«فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها** وارحم جلالَكَ منت سماع خطابي"
وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً***** عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[25 - 01 - 2007, 04:07 م]ـ
لا تكذبَنَّ، فإن فعلْتَ، فلا تقُلْ
كَذِباً على ربّ السماءِ، تكسُّبا
فاللَّهُ فردٌ قادرٌ، من قبلِ أن
تُدْعى لآدمَ صورةٌ، أو تُحسبَا
وإذا انتسبتَ فقُلتَ إني واحِدٌ
من خَلقِهِ، فكفى بذاك تنسُّبا
أشباحُ إنْسٍ يخضِبون صوارماً
تحت العَجاجِ، ويَركُضون الشُّسبا
ويمارسونَ، من الظّلامِ، غياهِباً
ويواصلونَ، فيقطعون السّبسبا
ومُرادُهم عَذْبٌ، خسيسٌ قدرُه
شربوا له مَقْراً، لكيما يلسبا
ولقد علمتُ، فما التمضّر نافعي
أني سأتبع نيْسبَاً، لابْنَيْ سبا
سبأ المُدامةَ، فاستدامَ مَسرّةً
فيما يُظَنُّ، ولم يَرِعْ لمّا سبى
رُوحٌ، إذا رحلتْ عن الجسم الّذي
سكنتْ به، فمآلهُ أن يرسُبا
ابو العلاء المعري
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[21 - 02 - 2007, 04:10 م]ـ
قلبه المستهام ظمآن عاني يحتسي الوهم من كئوس الأماني
قلبه ظاميء إليك فصبّي فيه عطر الهوى و ظلّ التداني
واذكري قلبه الحبيس المعنّى وامتلئي الكأس من رحيق الحنان
إنّه عاشق و أنت هواه إنّه فيك ذائب الروح فإنّي
أنت في همسة مناجاة أوتا ر و في صمته أرقّ الأغاني
إنّه في هواك يحرق بالحبّ و يدعوك من وراء الدخان
سابح في هواك يهفو كفكر شاعر يرتمي وراء المعاني
أين يلقاك أين ماتت شكاوا ه و جفّت أصداؤه في اللّسان
إنّه ظاميء إلى ريّك الحا ني مشوق إلى الظلال الحواني
تائه في الحنين يهوى كروح ضائع يسأل الدجا عن كيان
ظاميء يشرب الحريق المدمّى و يعاني من الظمأ ما يعاني
أنت في قلبه الحياة و كلّ الحـ ب كلّ الهوى و كلّ الغواني
فيك كلّ الجمال فيك التقى الحسـ ن و فيك التقت جميع الحسان
لم يهب قلبه سواك و لكن لم يذق منك غير طعم الهوان
فامنحيه يا واحة الحبّ ظلّا و انفضي حوله ندى الأقحوان
و اسكبي الفجر في دجاه وزفّي في شقا حبّه رفيف الجنان
إنّه هائم يعيش و يفنى بين جور الهوى و ظلم الزمان
ميّت لم يمت كما يعرف النا س و لكن يموت في كلّ آن