تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إسفافا، فيتحلى بها ويتزين، وقد يحصل التماهي بين الشيء وجمالية التعبير عنه فيصبح هو هو .. ويمكن أن نستشف مثل هذا المعنى من خلال قراءتنا لهذا الحدث التاريخي الرائع من السيرة النبوية العطرة، والذي يوضح ما نقصده من قولنا هذا، ويبين ما نود عرضه وطرحه لفهم هذا الأمر انطلاقا من الرؤسة الإسلامية، وهو عبارة عن حديث نبوي شريف مصحوب بسبب وروده، يقول النص:

** ... فخر الزبرقان. فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب، أمنعهم من الظلم وأخذ منهم بحقوقهم، وهذا يعلم ذلك – يعني عمرو بن الأهيم – فقال عمرو إنه لشديد المعارضة، مانع الجانب، مطاع في اذنه .. فقال الزبرقان والله يا رسول الله لقد علم من غير ما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أنا أحسدك؟

فقال عمرو: والله يا رسول الله إنه لئيم الخال، حديث المال، أحمق الوالد مضيع في العشيرة، والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى، وما كذبت في الآخرة، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ** إن من البيان سحرا** (8)

هذا النص يمكن أن نستخلص منه مجموعة من القضايا النقدية التي أثارت الجدل منذ القديم وأسالت – وما زالت - مدادا كثيرا، كقضية الصدق والكذب في الإبداع الأدبي " لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الآخرة "، وكقضية العلاقة الموجودة أو المحتملة بين الجو الوجداني أو الحالة النفسية التي يكون عليها المبدع والإبداع الأدبي بشكل عام والشعري بشكل خاص، ومدى تأثر الإبداع بالمبدع " إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت .. " وكقضية الإبداع وتأثيره على المتلقي .. انطلاقا من " إن من البيان سحرا"، وعلاقة البيان بالسحر ومفهوم كل منهما، وكيف ربط الحديث بين السحر والبيان ولم يربط بين السحر والموضوع، لأن السحر غالبا ما يرتبط بالموضوع يقول الدكتور حميد لحمداني (9):* يتجلى الموضوع في الإبداع الأدبي من خلال سحره الخاص .. * .. ولكن الأهم عندنا اللحظة هو ذلك الانطباع الجمالي والبصمات السحرية التي تركها المتكلم – عمرو بن الأهيم - بأسلوبين من الكلام/الخطاب متناقضين تماما، أحدهما جاء للمدح والوقوف على الفضائل وذكر المحاسن، والآخر يصور الذم والهجاء ويكشف المثالب والقبائح ..

وبناء على الأسلوب الذي اتخذه المرسل في تبليغ رسالته، والطريقة التي أوضحها بها، والتعبير الذي استعمله لإنجازها، كان تأثر المتلقي/القارئ/السامع وانفعاله وتقديره واضحا عند قوله: " إن من البيان سحرا " .. إن البيان: اللغة والأسلوب وطريقة التعبير وحسن استعمال الكلمات واختيار الألفاظ وحسن تجاورها وإعطاء الصورة الواضحة عن الشيء، كل ذلك كان وراء تلك النظرة النبوية النقدية، وليس المدح أو الهجاء أو حتى موضوع اللقاء- ونحن نعلم موقف الإسلام من الهجاء والذم، ولكن هنا اختلف الوضع لقرائن عديدة ليس هذا مكان ذكرها- ومن هنا قلنا كيفما كان حال المكان- مقدسا أو مدنسا- فما على الناقد الإسلامي إلا أن يبرز الجمالية أو السحرية التي استطاع المبدع أن يصور بها ذلك المكان وأن يعبر بها عنه .. وإلى أي حد أسعفته ملكاته الإبداعية على تصوير/تخييل قداسة المكان أو دناسته .. وكيف تمكنت قدراته الفنية واللغوية والجمالية من تشخيص صورة المكان في ذهن المتلقي/القارئ وجعله يشخص إلى تلك الصورة المقدمة بأحد الشكلين: إما التعاطف والحب وإما النفور والكره .. ولا يتم أحدهما إلا في إطار العلاقة اللغوية التي ستتم بين المبدع والمتلقي .. فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **إن من البيان لسحرا أو إن بعض البيان لسحر** (10) وهكذا تكون"اللغة الإبداعية هي وحدها بمغامرتها الخاصة تستطيع أن تأسر بعض اللحظات الخاطفة من هذا التلامس الوجودي بين الذات والعالم، فبواسطة التمثيل La représentation) ( وبواسطة الصور الشعرية يستطيع المبدع أن يبلغ لذة اكتشاف سحر الموضوعات" (11) ..

هوامش ومراجع:

(*) "حول حركة الأدب الإسلامي المعاصر: وقفة لمراجعة الحساب" مقال للدكتور عماد الدين خليل .. مجلة "إسلامية المعرفة" السنة الثالثة العدد الثاني عشر ربيع 1418 - 1419هـ/1998م الصفحة: 11 ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير