تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولهذا فإن الأمة إذا استغنت عن تاريخ آدابها أو غفلت عنه – كما ثبت في تاريخ بعض الأمم - أو تجاهلته أو تركته للأيدي الملوثة تعبث به فقد حكمت على نفسها بأن تكون في عداد الموتى فوق التراب لا تحته، أو بأن تكون أمة بلا شخصية أو مجردة من كل ما يربطها بأمجادها، ومن ثمة فهي خارج التاريخ لأنها لا تنتج وإنما تستهلك فقط .. ولا تبني فروعها على أصولها مما يجعلها في أحسن أحوالها نسخة لغيرها وقد تكون نسخة مشوهة، وقد يأتي عليها حين من الدهر تجتث من تربتها ..

والأمة الإسلامية ما فرطت أبدا في تاريخها ولا في آدابها إلا أنها تركت فسحة واسعة جدا استقبلت من خلالها ما هب ودب من الآداب والأفكار ما مزق الأصول الأصيلة فيها، وقزم الفروع التي أتت منها، فأصبحت الأمة في مهب الريح .. مرة تكتسي بكسائها على الرغم من وجود رقع متعددة ومختلفة، ومرة ترتدي ثوب غيرها .. والآن فإن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى تاريخ آدابها من أي وقت مضى .. فهي في حاجة إلى أقلام مسلمة مخلصة تعيد كتابة تاريخ الآداب الإسلامية كفرع من فروع التاريخ العام، وذلك عن طريق الهدم والبناء ..

هدم كل المحاولات التي أنتجتها مجموعة من الأقلام المسعورة أو المأجورة أو المغفلة .. ونسف كل ذلك الركام الأدبي العالق بتاريخ الإسلام والذي يحسب عليه وهو في الحقيقة لا يمت إليه بصلة .. وبناء نظرية إسلامية تاريخية نقدية يصاغ على أساسها الأدب ويعاد من خلالها تفكيكه وتشكيله، كما يتم نقده ودراسته اعتمادا على رؤيتها وبناء على نظريتها وانطلاقا من زاويتها ليسير على هداها ..

هذا الهدم والبناء هو المنهج الذي يخول للناقد الإسلامي أن يبعث في الأدب وتاريخه روحا جديدة، ونفسا طويلا وزكيا، ووظيفة إيجابية تعمل في النفس والمجتمع والحياة .. وبهذا المنهج يتمكن الإسلامي من الربط بين ماضيه العريق وحاضره المتردي، كي يرسم خطوطا عريضة وواسعة وكبيرة لبناء مستقبل مخالف لذلك الماضي الأدبي المنحرف والمدسوس في كثير من جوانبه، ومتجاوزا لهدا الحاضر الأدبي المنحل الذي ينشر ظلماته على الساحة الأدبية الآن ..

الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تاريخ آدابها برؤية إسلامية تتمتع بنظرة إيمانية ربانية، ومقومات ذات أسس إنسانية قويمة، وخصائص فكرية وفنية متميزة، ومكونات أدبية مستقيمة، وتتغيا إحقاق الحق وإزهاق الباطل .. كما أنها في حاجة ماسة إلى لغتها من منبعها الصافي المعين .. في حاجة ماسة إلى رجالاتها وسلفها وقوادها الثقافيين والأدبيين الصالحين .. إلى معرفتهم والاقتداء بهم واتباع آثارهم وتتميم ما بدؤوه من أعمال شامخة وخالدة في التاريخ، يفخر بها حتى أعداؤهم أنفسهم .. كما أنها في حاجة ماسة إلى معرفة التيارات المنحرفة وأساليبها وملابساتها، أو ما يمكن أن يمس الحياة الإنسانية من انحراف وضلال وتيه وتعثر وسقوط، وذلك عن طريق الكشف عما تراكم في التاريخ من ذلك، والوقوف عنده طويلة وقفة المتأمل الدارس الحصيف .. وهذه المعرفة الأخيرة تخول لنا عدم تكرار التاريخ بأخطائه وانحرافاته وزيغ أدبائه عن الصراط السوي ..

إن تاريخ الأدب في حس الإسلامي يجب أن يكون حافزا لتكوين شخصية لغوية أدبية منفردة تسعى إلى إيجاد عالم مغاير جديد يقوم على أنقاض هذا العالم المشوش الملبس بالخطيئة .. كما تسعى إلى توحيد غايات الأمة وأهداف الجماعة، وتبلور كل الوسائل التي توصل إلى هذه الغايات وتلك الأهداف ..

ويبقى تاريخ الأدب أخيرا وليس آخرا وسيلة من عدة وسائل أخر تعمل مجتمعة متفاعلة فيما بينها كي تؤسس المدينة التي طالما حلم بها الأدباء وبحث عنها المفكرون إلا أنهم أخطؤوا طريقها .. إذن الاهتمام بهذا الموضوع / القضية يجب أن يكون من بين اهتمامات كثيرة يعمل فيها أهل التخصص، كل في مجاله، مما يساهم في آخر المطاف في تجميع الجهود وتنويرها وتكثيفها وحشدها وإعمالها فتصبح جاهزة تماما لتفجير ما يتوخاه الإسلامي منها والذي هو تحقيق ما بشر به المصطفى r في قوله من حديث سنأتي على ذكرها كاملا إن شاء الله تعالى:" ثم تكون خلافة على منهاج النبوة " ..

والبقية آتية بإذن الله تعالى ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير