تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا العنوان الذي يتجلى في عتبتين: العتبة الأولى/الكبرى المفضية إلى البناء جميعه/الديوان بطوابقه الثمانية .. والعتبة المفضية إلى الطابق الأول/القصيدة الأولى في ترتيب الديوان .. هذا العنوان له ارتباطات دلالية كثيرة بمجموع البناء ككل، وعلى مستوى الطابقين الأول والثاني بشكل خاص .. يقول الأستاذ سمير عطية: " وإذا جاز لي أن أتوقف قليلا عند عنوان الديوان الذي بين أيدينا بعد أن جلت في ربوع قوافيه، وجلست بين زهور أشعاره فإنني لا أبالغ حين أقول إن عنوان الديوان يكشف شيئا عن جوهر ما يحتويه، وإذا كان العرب قديما قد قالوا "إن القصائد بمطالعها " فالحال اليوم يكاد يصدق ذلك في عنوان هذا الديوان كما أشرنا ... لقد كشف العنوان عن شكل ومضمون العمل إلى حد كبير، من حيث المواضيع التي سيتطرق لها الشاعر ومحاولة استقراء للقالب الفني الذي ستأتي به وهو ما برز من خلال العنوان من أن ثمة رسالة يبعث بها المسجد الأقصى ... وذُيِّل الإخراج الفني للغلاف بأن تصل الرسالة ليد "كل مسلم"، كل هذا وغيره جعل العنوان انعكاسا لما فيه. بل إن الوضوح في اللغة الشعرية للديوان أمر لا يتطلب إلى جهد لمعرفة ذلك. فالخطاب العام في النصف الأول من الديوان هو السمة الأوضح خاصة وأن القصيدتين"الأولى والثانية " تشكلان تقريبا النصف الأول من وجه هذا الديوان المضيء .. " (10)

فلنعد مرة أخرى إلى العنوان/العتبة الأولى لقراءة مكوناته، ومعرفة دلالاته، وربطه بحقوله، والوقوف عند ارتباطاته وعلاقاته، بعد تفكيكه وإعادة بنائه .. إن هذا العنوان "رسالة من المسجد الأقصى" ليحمل دلالات جلية وواضحة تطفح على سطحه باعتبار أنه عنوان بسيطة ولا يحتمل التعقيد .. كما يتضمن مجموعة أخرى من الدلالات الخفية والمضمرة والمستترة .. فـ"رسالة من" تستوجب بطبيعتها مكونين اثنين لا غنى لها عنهما، وهما المرسل والمتلقي/المرسل إليه .. كما تستدعي موضوعا أو مضمونا أو محمولا مفهوما وإلا لما كانت فعلا رسالة .. كما أنها تتضمن سننا أو شفرة يمكن معرفتها من خلال السياق ككل في البناء كله أو جله ..

والمرسل لهذه الرسالة هل هو الذي ارتبط بها تركيبيا، أي ذلك الذي جاء خبرا للمبتدأ في العنوان "رسالة" والذي هو "في المسجد الأقصى" .. ؟ أم هو الشاعر الإنسان المبدع الذي يمكن أن يعتبر المرسل الأول والواقعي للرسالة .. ؟ أم هو شيء آخر خفي بين الشاعر والمسجد الأقصى والذي يمكن أن نطلق عليه اسم "المشعر" ويقوم نقديا بالوظيفة نفسها التي يؤديها مصطلح "الراوي" في الرواية .. ؟ أم أن المرسل هو عبارة عن الدلالات التي تستشف من شبه الجملة في العنوان "من المسجد الأقصى" والذي يحيل على كثير من الدلالات سنقف عند بعضها لاحقا .. ؟ أم أن المرسل هو كل هذا وبدون استثناء .. ؟

أما "المسجد الأقصى" فهو دال على المكانية والتاريخية والقدسية وأيضا على الصراع الذي فرض عليه وليس من طبيعته لأنه هو نفسه رمز السلام .. إنه مكان موغل في الزمان، وزمان ضارب بجذوره في المكان، كما أنه مكان يحيل على الحال فيه والموجود به، يحيل على الإنسان الساكن به المرتبط بترابه منذ غابر الأزمنة .. ولقد أحيط بالقداسة الدينية والاحترام البشري منذ بنائه أول مرة، كما تضمن دلالات المعاناة ومعاني الصمود .. فالمكان في حد ذاته ليس مقصودا بالأساس وإنما المقصود أصلا هو ما يدل عليه من معان، أو ما يحيل إليه من رمزية ..

"+إن المكان في الإبداع الأدبي عامة وفي الإبداع الشعري على الخصوص ليس صورة (فوتوغرافية) أو شكلا مرسوما هندسيا (طوبوغرافيا) كما أنه ليس موصوفا وصفا علميا أو مشهديا أو تشريحيا، وإنما هو تعبير أو تلفظ لغوي أو دال يحمل في ذاته مدلولا ثم يحيل على مرجع معين، ثم يصير من حيث الرؤية إلى مرجع مفتوح يعطي للدال فرصة كبيرة يتناسل من خلالها الدوال .. كما قد يرتبط بدوال أخرى ضمن تركيب لغوي معين، وفي إطار سياق أسلوبي محدد، بل وضمن نص أو نصوص إبداعية متعددة تتفق في استعمالها اللغوي للمكان نفسه .. وهذا يسعف الدال على توسيع دائرة مدلولاته ومرجعه المفتوح (11) .. لذا أصبح لزاما أن تخرج اللفظة المكانية المستعملة في الملفوظ/المتخيل (أي أن يخرج الدال) من المستوى الملموس إلى المستوى المجرد، ومن الإطار المحسوس إلى الإطار المعنوي، ومن المرئي إلى المفهومي أو الرؤيوي، ومن مجرد التذكر إلى التفكر والارتقاء في التخيل ..

إن أماكن الإبداع الشعري لغوية بالضرورة وإن أحالت على ما هو مادي في الأصل .. تتحرك في إطار ما تعطيه اللغة وما تزخر به تراكيبها وما تمنحه من معاني ومفاهيم وما تتمتع به من رؤى وما تحويه من رموز وما تكنه من تشكيل خصوصا إذا فجرها الإبداع الشعري تفجيرا شاعريا يُفيض على مفهوم المكان جمالا وسناء وسلاسة وإحالات قد لا تبدو للعيان أو حتى للمتفحص الذي يعتمد على اللغة في منطوقها العادي أو في مفهومها الضيق والقاصر، أو في لعبتها غير الناضجة .. أو يعتمد بعض الأدوات النقدية العتيقة/المتجاوزة، أو التي لم ترق بعد إلى ما آلت إليه الدراسات الحديثة، أو لم تتمتع بنظرة تكاملية توليدية وتفجيرية تعتصر اللغة الإبداعية اعتصارا في أساليبها وتراكيبها وعلائق كل مكوناتها كي تنتهي في ذلك وبذلك إلى الحصول على لب وأسِّ تلك اللغة وجوهرها الذي يحرك الأنفس ويدغدغ الوجدان ويرقى بالفكر ويسحر العقل ويعلو بالروح ويسمو بالفؤاد، ويبرز المادة المدروسة في جوهرها الشفاف، وهي ترقى في معارج الأدبية والشعرية .. +" (12) ..

وللبحث صلة ...

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير