تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العنوان بالنسبة للنص/الإبداع الأدبي كالرأس بالنسبة للجسد، فهو الدال الأول عليه والجامع لشبكة التحكم فيه وممسك بكل خيوطه والمحرك لكل مكوناته .. وغالبا ما يكون العنوان هو المثير الأساس بالنسبة لحاسة البصر عند المتلقي والمحرك الرئيس لفضوله المعرفي والعلمي والدافع الأساس لرغبة الإمساك بما هو عنوان له والمحفز لإشباع نهم القراءة لديه حتى يقف على مكوناته ويتميع بجمالياته ويروي عطشه الأدبي منه كما يمكن أن يكون العنوان عكس ما قلناه فقد يلعب دور المنفر والمقزز ولذلك يعمل المبدعون على رسم صورة عناوين إبداعهم بشكل مثير تماما كما عملوا على رسم إبداعهم ..

وعنوان قصيدتنا هذه هو كما أشرنا من قبل "الزلزال" كلمة دالة وموحية مشبعة بمعاني الخراب والدمار والرعب والشتات واليباب والموت وحافلة بمعاني البكاء والصراخ والعويل والنواح والأسى والألم .. فهي تمثل الجانب المظلم من الحياة – كما يبدو – وتصور أعلى مستويات الكوارث الطبيعية كما تدل على العقاب الإلهي الذي يطال الكافرين والظالمين وأولئك الذين يحيدون عن جادة الطريق ويبتعدون عن دين الله عز وجل ..

ويقف شاعرنا عند هذه الكلمة/اللفظة المروعة ليختارها عنوانا لقيله الشعري وليجعلها خاتمة المشهد الأول، وليجعلها كذلك نهاية للمشهد الرابع والأخير من مشاهد القصيدة، إلا أن شاعرنا عند توظيفه للكلمة/اللفظة جعل بين المشهدين الأول والرابع بونا شاسعا وفرقا كبيرا، فقد استعمل كلمة "الزلزال" لأداء وظيفتين متناقضتين ومتباعدتين، بحيث استعملها في المشهد الأول للدلالة على معناها الحقيقي: التصدع والمصيبة نتيجة التنكب عن الطريق:

مدينة كهذه تنكبت طريقها

تصدعت وزلزلت

من قبل أن يصيبها الزلزال.

ثم انزاح عن هذا المعنى الحقيقي – الخراب والدمار .. - إلى معنى آخر مخالف للأول ومغاير عنه ومضاد له تماما، بل هو مرغوب في حدوثه ووقوعه وإن كان اسمه الزلزال:

أن يحدث التغيير في النفوس

وذاك غاية المنال

أن يحدث الزلزال.

لقد أصبح حدوث الزلزال مطلبا مستحسنا لأنه أفرغ من محتواه الدلالي الانتقامي واكتسى الصبغة التأديبية والتعليمية ..

ثم إن الصورة في المشهد الأول يطغى عليها الفعل في زمنه الماضي – تنكبت، تصدعت، زلزلت – وهذا يزيد من قتامة الصورة كما يصبغها بصبغة ماضوية ممقوتة سرعان ما تندحر وتنكسر بفعل مضارع يدل على الاستمرارية والديمومة اللتين يتصف بهما العقاب الرباني والانتقام الإلهي كلما حيد عن الطريق:

من قبل أن يصيبها الزلزال.

ثم يستمر الفعل المضارع الذي يملأ الصورة في المشهد الرابع – تحرك، تزحزح، تحدث (يتكرر ثلاث مرات) – ليصور لنا بذلك مشهد التغيير والعودة والرجعة إلى الصواب وإلى جادة الطريق، فيحدث الزلزال، وهو من نوع آخر يحمل في طياته النفع والمصلحة، لذلك فهو زلزال مرغوب فيه وليس ممقوتا لأنه يوقظ النفوس ويحرك الهمم والقلوب في الصدور ويزحزح الرواسخ الثقال ويحدث الذي كان من المحال، وفي رسم هذه الصورة نستهدي بقول الله تعالى:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (سورة: الرعد الآية:11)

إن التنكب عن الطريق السوية والعدول عنها والحكم على مقوماتها والمتبعين لها بالإبعاد والغربة لينتج عنه التصدع والزلزال ليتحول الأمر في آخر المطاف إلى تغيير مرغوب فيه فرجعة وعودة .. وهذا يبرز في شكل شعري الصورة التي تقدمها آيات قرآنية كريمة ورائعة، ليحصل نوع من الاقتباس أو ما يسمى بلغة العصر التناص مع قوله تعالى:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (سورة: الروم الآية:41).

ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[26 - 04 - 2007, 03:58 ص]ـ

شكرا لهذا التحليل النقدي المتميز أستاذ عبد الرزاق ..

أرجو أن تكون تتمته هنا .. كي يحظى بالمتابعة، و من ثم المناقشة ..

دمت ناقدا مبدعا.

ـ[المساوي]ــــــــ[27 - 04 - 2007, 05:15 م]ـ

تتمة الدراسة النقدية:

مشاهد القصيدة:

تفتتح القصيدة قيلها بجملة اسمية مبتدؤها نكرة بل غارق في نكرته على المستوى التراكيبي، إلا أنه معرف على المستويين الوجودي والواقعي، ويعتبر هذا المبتدأ رمزا حاملا لدلالات عديدة، يتجلى بعضها منذ البداية:

مدينة تنكرت سماؤها لبسمة الهلال

ولم يعد يطوف في منارها بلال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير