تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشعر صعب وطويل سلمه ==== والشعر لا يسطيعه من يظلمه

إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه ==== زلت به إلى الحضيض قدمه

يريد أن يعر ==== به فيعجمه

وإنما سمي الشاعر شاعراً؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا

اختراعه، أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة قيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه

من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر؛ كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة، ولم يكن له

إلا فضل الوزن، وليس بفضل عندي مع التقصير ..

ولقي رجل آخر فقال له: إن الشعراء ثلاثة: شاعر، وشويعر، وماص بظر أمه، فأيهم أنت؟ قال: أما أنا

فشويعر، واختصم أنت وامرؤ القيس في الباقي.

وقال بعضهم: الشعر شعران: جيد محكك، ورديء مضحك، ولا شيء أثقل من الشعر الوسط والغناء

الوسط.

وقد قال ابن الرومي يهجو ابن طيفور:

عدمتك يا ابن أبي الطاهر ==== وأطعمت ثكلك من شاعر

فما أنت سخن ولا بارد ==== وما بين ذين سوى الفاتر

وأنت كذاك تغثي النفو ==== س تغثية الفاتر الخاثر

وقد يجوز أن يكون النابغة أشار فيما حكى عنه الحاتمي من الرديء المضحك إلى هذا النحو.

وقيل: عمل الشعر على الحاذق به أشد من نقل الصخر، ويقال: إن الشعر كالبحر أهون ما يكون على

الجاهل أهول ما يكون على العالم، وأتعب أصحابه قلباً من عرفه حق معرفته، وأهل صناعة الشعر أبصر

به من العلماء بآلته من نحو وغريب ومثل وخبر وما أشبه ذلك ولو كان دونهم بدرجات، وكيف إن

قاربوهم أو كانوا منهم بسبب؟ وقد كان أبو عمرو بن العلاء وأصحابه لا يجرون مع خلف الأحمر في

حلبة هذه الصناعة أعني النقد ولا يشقون له غباراً، لنفاذه فيها؛ وحذقه بها، وإجادته لها وقد يميز الشعر

من لا يقوله، كالبزاز يميز من الثياب ما لم ينسجه، والصيرفي يخبر من الدنانير ما لم يسبكه ولا ضربه، حتى

أنه ليعرف مقدار ما فيه من الغش وغيره فينقص قيمته.

وحكى أن رجلاً قال لخلف الأحمر: ما أبالي إذا سمعت شعراً استحسنته ما قلت أنت وأصحابك فيه!!

فقال له: إذا أخذت درهماً تستحسنه وقال لك الصيرفي إنه رديء هل ينفعك استحسانك إياه؟.

وقيل للمفضل الضبي: لم لا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ قال: علمي به هو الذي يمنعني من قوله،

وأنشد:

وقد يقرض الشعر البكي لسانه ==== وتعيي القوافي المرء وهو لبيب

والشعر مزلة العقول، وذلك أن أحداً ما صنعه قط فكتمه ولو كان رديئاً، وإنما ذلك لسروره به، وإكباره

إياه، وهذه زيادة في فضل الشعر، وتنبيه على قدره وحسن موقعه من كل نفس.

وقال الأصمعي على تقدمه في الرواية وميزة بالشعر:

أبى الشعر إلا أن يفيء رديه ==== علي، ويأبى منه ما كان محكما

فيا ليتني إذ لم أجد حوك وشيه ==== ولم أك من فرسانه كنت مفحما

وقال عبد الكريم: الشعر أربعة أصناف: فشعر هو خير كله، وذلك ما كان في باب الزهد، والمواعظ

الحسنة، والمثل العائد على من تمثل به بالخير، وما أشبه ذلك؛ وشعر هو ظرف كله، وذلك القول في

الأوصاف، والنعوت والتشبيه، وما يفتن به من المعاني والآداب؛ وشعر هو شر كله، وذلك الهجاء، وما

تسرع به الشاعر إلى أعراض الناس؛ وشعر يتكسب به، وذلك أن يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيها،

ويخاطب كل إنسان من حيث هو، ويأتي إليه من جهة فهمه.

وذكر الجمحي في الشعراء المقاحم والثنيان قال: والمقحم: الذي يقتحم سناً إلى أخرى، وليس بالبازل ولا

المستحكم، وأنشد لأوس بن حجر:

وقد رام بحري قبل ذلك طامياً ==== من الشعراء كل عود ومقحم

قال: والثنيان: الواهن العاجز، وأنشد لأوس بن مغراء:

ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ==== بدؤهم إن أتانا كان ثنيانا

قال غيره: الثنيان: الذي ليس بالرئيس، بل هو دونه، وأنشدوا لنابغة بني ذبيان يخاطب يزيد بن الصعق:

يصد الشاعر الثنيان عني ==== صدود البكر عن قرم هجان

قال الجمحي: وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات: منها ما تثقفه

العين، ومنها ما تثقفه الأذن، منها ما تثقفه اليد منها ما يثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف

بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره، ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا

مس ولا طراوة ولا دنس ولا صفة، ويعرفه الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها،

ومنه البصر بأنواع المتاع وضروبه وصنوفه مع تشابه لونه ومسه وذرعه واختلاف بلاده حتى يرد كل

صنف منها إلى بلده الذي خرج منه، وكذلك بصر الرقيق فتوصف الجارية فيقال: ناصعة اللون، جيدة

الشطب، نقية الثغر، حسنة العين والأنف، جيدة النهدين، ظريفة اللسان، واردة الشعر، فتكون بهذه

الصفة بمائة دينار وبمائتي دينار، وتكون أخرى بألف دينار وألفي دينار؛ ولكن لا يجد واصفها مزيداً على

هذه الصفة؛ وتوصف الدابة فيقال: خفيف العنان، لين الظهر، جيد الحافر، فتي السن، نقي من العيوب؛

فيكون بخمسين ديناراً أو نحوها، وتكون أخرى بمائتي دينار وأكثر، تكون هذه صفتها، ويقال للرجل

والمرأة في القراءة والغناء: إنه لندي الحلق، حسن الصوت، طويل النفس، مصيب اللحن، ويوصف الآخر

والأخرى بهذه الصفة وبينهما بون بعيد، يعرف ذلك أهل العلم به عند المعاينة والاستماع، بلا صفة ينتهي

إليها ولا علم يوقف عليه، وإن كثرت المدارسة للشيء لتعين على العلم به، وكذلك الشعر يعرفه أهل

العلم به.

وسمعت بعض الحذاق يقول: ليس للجودة في الشعر صفة، إنما هو شيء يقع في النفس عند المميز:

كالفرند في السيف، والملاحة في الوجه، وهذا راجع إلى قول الجمحي، بل هو بعينه، وإنما فيه فضل

الاختصار.

• الفرند: ما يبدو من لمعان السيف إثر إنعكاس الضوء عليه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير