ووجدت ان اصحاب الموقف الاول هم ا لعلماء النفسانيون السلوكيون امثال (سكينير Skinner) ، والذين لم تثبت نظريتهم عند التمحيص فقط .. لانه فضلا عما ثبت بالتجارب من كون الفكر يظل يشتغل حتى في حالة عجز الانسان عن الكلام او عدم قدرته على التعبير، فإننا نشعر جميعا بشكل مباشر ان تفكيرنا مستقل عن اللغة التي نعبر، وقد يختلف معي الكثيرون بأن المقصود باللغة هو النظام التجريدي العميق الذي يدركه كل انسان بفطرته ويستخدمه بقدر طاقته؟ وان هذا النظام ملازما للتفكير وضروري له. وهذا اعتراض وجيه اقدره ولكن لكل نظريته ..
اصحاب الموقف الثاني هم الدارسون الانثروبولوجيون بعامة وبعض المفكرين الفلاسفة والمناطقة الوضعيين المعاصرين الذين قادهم البحث الى الاعتقاد بأن اللغة هي التي تحدد طبيعة التفكير فخصائص كل لغة تحدد خصائص التفكير لاهلها؟ والقائلون بهذه النظرية متأثرون طبعا بالنزعة الاجتماعية القائلة بأن المجتمع هو الذي يصنع افراده، يحدد لهم لغتهم كما يحدد لهم تفكيرهم.
وهنا ابرز الفيلسوف النمسوي (لودفينغ فتجنشتين -1889 - 1951) من اكبر الفلاسفة الوضعيين والمناطقة الكبار المعاصرين الذي تعمقوا علاقة الفكر باللغة وكان يعتقد وهذه عبارته ان حدود اللغة التي يفهمها هي حدود عالمه. كما كان يعتقد ان الفلسفة عبارة عن معركة ضد البلبلة التي تحدث في عقولنا نتيجة استخدام اللغة وسبب الشكوك الفلسفية كلها ليس الا استخدام اللغة استخداما خاطئا ..
اما اصحاب الموقف الثالث فهم الفلاسفة المثاليون بعامة الذين يعتقدون بأن اللغة ليست سوى وسيلة للتعبير وبأنها مستقلة عن الفكر وتابعة له تماما، وان الافكار تنشأ من غير ان يكون للغة دور في تكوينها لان الفكر الانساني ينبعث داخليا في حالات الصفاء الذهني البعيد عن كل اصوات اللغة وتأثيرها وهذا معنى كون الانسان يستغرق في تفكيره؟؟ ويستطيع ان يعبر عنه بغير اللغة .. وبشتى اشكال التعبير الاخرى .. بل هناك من يذهب بعيدا فيدعي ان اللغة كثيرا ما تجهض الفكر وان الشاعر الحالم مثلا ينتهي من قصيدته شاعرا بأن ما اراد التعبير عنه اكثر بكثير مما عبر عنه بالفعل ..
ويتسق هذا الموقف مع النظرية القائلة بأن اللغة هي نظام من التواصل اي من الرموز والاشارات المعبرة عن افكار ومعان لها استقلالها.
وللخروج من هذا المأزق الفكري ـ بين قبول الهيمنة لنظرية بعينها، ورفض النقد باسم تعدد مناحيه ـ تقوم الدراسات التحليلة والنقدية الى مقاربة "جمالية" تعتبرها اقل اثارة لخيبة الظن والشك. وبمقتضى هذه المقاربة يمكن التمييز في عمليةالدراسة الى مختلف الأنظمة الثقافية بين ما هو ابداعي وبين ما هو فلسفي اجتماعي وبين ما هو قانوني وسياسي، بحيث توحد بعض التعبيرات الثقافية، التي تُمثّل جزءًا من الذاكرة الجماعية لهذا الشعب او ذاك، والذي تتجذر في أصوله وتمثل مصدر إلهام له بحيث لا تمثل تراثا للانسانية قاطبة بتعدد حدود وجغرافية الاماكن، أي لا يمكن ان تُرْفَعَ الى مرتبة الكوني أو الكلّي الذي يدعى الجميع الى الانتماء اليه أو تبنّيه من خلال مدارس النقد والتحليل.
تحياتي
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[23 - 10 - 2007, 11:52 م]ـ
شكرا لك أختي بنت العروبة على هذه الرؤية متعددة الزوايا.
تختلف الدراسات بحسب المدارس المنتمية لها ..
و كل مدرسة لها أسلوبها و سلطتها التي تسلط الضوء عليها دون غيرها من الجوانب الأخرى في النص.
الفائدة في الأخير لصالح النص حينما تتعدد أنواع الدراسات، و إن كانت جزئية التناول -أحيانا-، و ذلك باختلاف رؤيتها للعلاقة بين اللغة و الفكر.