"وكيفية التسهيل في الهمزة المفتوحة أن تزال نبرتها وتقرب من الألف، وزاد بعضهم فتصير كالمد في اللفظ ()، وربما عبر بعضهم عنها بالمد لصيرورتها كالمدة ()، فحمل ذلك بعض الناس على قراءتها بألف خالصة، ولم يعن أحد بذلك البدل، وإنما عبر بذلك حيث أضعف الصوت بها فصارت كالمدة. قال:
"وربما قرّب بعضهم لفظها من لفظ الهاء، وليس بشيء" ().
فانظر الى الشيخ الفاسي كيف شجب مجرد تقريب لفظها من الهاء وقال ليس بشيء، فكيف بمن يبدلها هاء خالصة، ويزعم أن العمل جرى بها؟
قول أبي شامة في شرحه:
أما الحافظ أبو شامة فيقول شارحا لبيت الشاطبي السابق: "والإبدال محض والمسهل بين ما هو الهمز ... البيت: الإبدال محض أي: ذو حرف محض، أي يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبه من لفظ الهمز، بخلاف التسهيل فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه وبين الحرف المجانس لحركة الهمزة، فمن أبدل في موضع التسهيل، أو سهل في موضع الإبدال فهو غالط .. ثم ذكر ما تقدم من أن "بعض أهل الأداء كان يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء، قال: وسمعت أنا منهم من ينطق بذلك، وليس بشيء" ().
قول الجعبري في شرحه:
وأما أبو إسحاق الجعبري (ت 732) فقال محذرا من ذلك أي من ابدال الهمزة المسهلة هاء:
"وينبغي للقارئ أن يفرق في لفظه بين المسهل والمبدل، ويحترز في التسهيل عن الهاء والهاوي –يعني الألف الساكنة _وفيه لين لفظ المد، وهذا معنى قول مكي في همزة بين بين مد يسير لما فيها من الألف" ().
فهؤلاء الثلاثة وهم رؤساء هذه الصناعة وشيوخ شراح الشاطبية كلهم أنكر ابدال الهمزة المسهلة هاء فحذر منه.
أقوال أئمة المغاربة في القراءة والأداء:
وإذا رجعنا الى مشايخ القراءة والأداء بالمغرب نجد أن أحدا منهم لم يثر هذه القضية ولا التفت إليها ابتداء من شيوخ القيروان كأبي عبد الله بن سفيان صاحب الهادي وأبي العباس المهدوي صاحب الهداية والموضح في شرحها، وأبي محمد مكي بن أبي طالب صاحب التبصرة وشرح القراءات الواردة فيها في الكشف، وانتهاء إلى أبي الحسن الحصري في رائيته في قراءة نافع، إلى من سواهم من شيوخ الأندلس كأَبي القاسم بن عبد الوهاب في "المفتاح" وأبي عبد الله بن شريح في "الكافي" وأبي الحسن بن الطفيل العبدري في شرح الحصرية وأبي جعفر بن الباذش في "الإقناع" وسواهم كثير.
ثم من بعد هؤلاء هذا أبو الحسن بن بري صاحب "الدرر اللوامع" انما يذكر في هذه الأرجوزة التسهيل بين بين كما تقدم في باب الهمزتين.
ثم هذا شارحه الأول أبو عبد الله الخراز لم يعرج على ذكره، وإنما عرف التسهيل عند ذكره في بيت ابن بري:
"فنافع سهل أخرى الهمزتين بكلمة فهي بذلك بين بين"قال:
"ومعنى بين بين أي بين الهمزة وبين حرف من جنس حركة الهمزة، فتكون المفتوحة بين الهمزة والألف .. الخ ().
وعاد إلى ذكر التسهيل بين بين مرات في باقي الباب ونقل من كتب أبي عمرو الداني فيه فلم يجر للهاء ذكرا، وسلك سائر الشراح بعده سبيله كالحلفاوي وابن المجراد والوارتني والمنتوري والثعالبي والشوشاوي وغيرهم، وأقدم من وجدته تعرض لجوازيل قال بوجوب صوت الهاء في المسهل من شراح الدرر اللوامع هو الشيخ يحيى بن سعيد الكرامي السوسي في "تحصيل المنافع" وسيأتي نقل كلامه مندرجا في هذه المسألة، كما أعاد أثارتها في أواسط المائة الحادية عشرة الشيخ أبو زيد بن القاضي شيخ الجماعة بفاس (ت 1082هـ).
ويبدو أن تحويل الهمزة المسهلة إلى هاء كان في زمن ابن القاضي قد أصبح أمرا واقعا، ودخل في جملة الأوضاع الغريبة التي دخلت في التلاوة المغربية مما ظل العلماء ينتقدونه بدون جدوى ()، الأمر الذي جعل مثل الشيخ ابن القاضي نفسه يمرره تحت لواء "ما جرى به العمل" كما سيأتي، أو ينتقده انتقادا رفيقا فيه الكثير من الهوادة بعد أن يعرض الأقوال الثلاثة وينسبها إلى القائلين بها كما سماهم الشيخ أبو وكيل في "تحفة المنافع" دون تحقق من صحة ما نسب إليهم بالرجوع إلى مؤلفاتهم، وخاصة مؤلفات الحافظ أبي عمرو التي ملأ كتابه الفجر الساطع بالنقول عنها إما مباشرة وإما بواسطة الشيخ المنتوري في شرحه.
¥