[آداب القراء ومجالس الإقراء]
ـ[أبو عبدالله العاصمي]ــــــــ[24 Aug 2008, 09:58 م]ـ
آداب القراء، ومجالس الإقراء ([1])
الحمد الله الذي خصَّ من عباده من شاء لتلقي كِتابه، وجعل العَرْضَ والسماع أصْلٌ لقراءته وإسناده، وحَفظَه-سبحانه- في الصدور كما تولى عنايته في السطور؛ فاهتمَّ لذلك أئمة الأداء، وانبرى لتعليمه الثِّقَةُ من القُرَّاء، فاتخذوا مجالس للتَّدَبُّرِ والتَّذَكُرِ والعملِ والإصغاء، وعُرفَت عنهم آداب في القراءة والإقراء، أحببت أن أرفع عنها اللثام وأبين فيها من الكلام.
فالآداب جمع أدب وهو كل ما تعارف الناس على استحسانه بتأثير الدين أو البيئة أو العرف ([2]).
والمقرئ: من عَلم بالقراءات أداءا ورواها مشافهة عن الشيوخ الضابطين بالإسناد المتصل إلى رسول الله r وتصدر لمجالس الإقراء وعُرف بها، ومن شرطه أن يكون مسلما مكلفا ثقة مأمونا ضابطا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة ([3]).
والقارئ: هو طالب القرآن الراغب في أخذه وتلقيه، وإن كان المصطلح الشائع عند المتقدمين إطلاق القارئ على المقرئ المنتهي أيضا ([4]).
وإنَّ عرض القرآن على أهل القراءة المشهورين بالإمامة المختصين بالدراية، سنَّة من السُّنَنِ التي لا يسع أحدا تركها رغبةً عنها، ولابدّ لمن أراد الإقراء والتصدر منها؛ والأصل في ذلك ما أجمع العلماء على قبوله، وصحة وروده، وهو عرض النبي r في كل عام على جبريل u ([5]) وعرضه على أبي بن كعب بأمر الله عز وجل له بذلك، وعرض أبيّ عليه، وعرض غير واحد من الصحابة على أبيّ، وعرض الصحابة بعضهم على بعض، ثم عرض التابعين، ومن تقدم من أئمة المسلمين جيلا فجيلا، وطبقة طبقة إلى عصرنا هذا. ([6])
ولقد اعتنى الأئمة بآداب المقرئ والقارئ لكتاب الله تعالى وأفرده بالتصنيف جماعة منهم الإمام النووي في التبيان وقد ذكر فيه وفي شرح المهذَّب وفي الأذكار جملة من الآداب ([7]) وإليك بعضا من هذه الآداب سائلا المولى تعالى أن يرزقنا التحلي بها.
فمن آداب المقرئ مع طلابه التواضع وشكر نعمة الله ولين الجانب، قال الإمام أبو الحسن السخاوي: (ت643هـ) ([8]): وينبغي لمن يُقرئ القرآن أن يكون متواضعا لله عز وجل، شاكرا له على عظيم ما أنعم الله به عليه من إقراء كتابه الكريم، وإذا سُئل عن مسألة فليستعن بالله عز وجل على الجواب، ثم يقرأ قوله عز وجل (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنك العليم الحكيم) فإذا فتح عليه بالجواب فليحذر العجب، وليذكر قوله عز وجل (بل الله يمنّ عليكم) ([9]).
وأن لا يبخل على من أراد القراءة عليه إذا أمن على نفسه من الخطأ، وأن يُلين جانبه لمن يطلبُ عليه ولمن يطلب منه، ولا يعنَّفه ولا يزجره، ويقبل عليه ما استطاع ويحتسب في ذلك ما عند الله، و أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويُقلَّ الضحك وكثرة الكلام واللَّغط في مجالس القرآن وغيرها ويأخذ نفسه بالحلم والوقار، وأن يتواضع للفقراء ويتحفظ من التكبر والإعجاب ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة وينبغي له أن يدع الجدال والمراء ويأخذ نفسه بالرفق والأدب ([10]).
ومما يجب على الأستاذ إذا جلس إليه أصحابه، واجتمعوا للقراءة عليه، أن يُقدِّمَ منهم أهل السوق، لينتشروا في الطلب في معاشهم، وما يقومون به على من يلزمهم القيام بهم، فقد كان أبو عبد الرحمن السلمي، وعاصم ابن أبي النجود ([11]) -فيما رويناه عنهما- يقدمانهم ويبتدئان بالأخذ عليهم ([12]).
كما يلزمه أن يفعل بالفقهاء والعلماء وأهل الفضل، يقدمهم على منازلهم في السن والفضل والعلم، ويخصهم بما شاء من العرض، كما كان يفعل حمزة ([13]) بالثوري ونظرائه، ثم بعد ذلك يقدّم الأول فالأول على استباقهم وتقدمهم إلى المجلس الذي يقرئ فيه ([14])
¥