تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا ينبه على انتماء الإمام الوهراني إلى الاتجاه العام الذي عبرنا عنه ب"المدرسة التوفيقية"، وهي التي لاءمت بين المدرستين: القياسية والأثرية، واعتمدت الوجوه المقروء بها واعتبرتها في اختلافات الأداء.

تلك هي قصيدة تقريب المنافع لابن أبي جمعة محمد بن محمد الوهراني المغراوي أحد كبار أصحاب أبي عبد الله بن غازي .... ولعله من خلال قصيدة التقريب وأبياتها الثلاثمائة قد لاحظ القارئ معنا مستوى النضج عند الإمام الوهراني على صغر السن، إذ نظمها وهو في العشرين من عمره كما ذكره في أولها.

وقد لاحظ القارئ معنا أيضا هذا الحذق الذي عرض به مادة الخلاف بين الرواة عن نافع والطرق عنهم، وكيف كان يتصرف في النظم تصرف الماهر المتمكن ويتنقل بين المسائل مسألة مسألة ممتلكا لزمام النظم ومستوليا على الأمد في عرض الخلافيات، محتذيا في ذلك حذو سلفه أبي عبد الله الصفار في تحفة الأليف، وسالكا سبيل الإمام العامري أيضا في مثل ذلك، ومستفيدا إلى جانب ذلك من أقوال طائفة من الأئمة ومصنفاتهم في الفن.

وهذه المزية قد فاق بها في قصيدة التقريب كلا من الصفار والعامري، وذلك أنه زاد عليهما بالإشارة إلى الخلافيات بين أئمة الأداء، والتنصيص على المشهور منها، وذكر حجج الأحكام الأدائية المستفادة منها بحسب ما يسمح به النظم، دون أن يقتصر على ما اقتصرا عليه من ذكر خلافيات الرواة الأربعة عن نافع والطرق العشرة المباشرة عنهم.

وبهذا كان عمل الشيخ الوهراني هذا متمما لجهود من تقدموه من أئمة مدرسة العشر الصغرى في قراءة نافع، وليس مجرد تكرار أو إعادة صياغة وإخراج وتكريس على آثار المتقدمين.

إلا أن هذه المزايا لا تخرج بقصيدته "التقريب" عن أن تعد في موضوعها ومباحثها امتدادا علميا ناضجا لإشعاع مدرسة أبي عبد الله الصفار في أواسط المائة الثامنة على عهد دولة المرينيين المغربية، واستمرارا لطريقته التي ظلت منذ زمنه إلى اليوم معتمدة في القراءات العشر الصغرى، وخاصة في استعمال طريقة الرمز لضبط مسائل الخلاف.

- " الجيش و الكمين، لقتال من كفّر عامة المسلمين ": كتاب ماتع، فريد من نوعه يعرض للحائر دليل الرشاد و السكينة، فهو يعرض للقارئ مسائل فقهية هامة و جليلة، طالما أرقت العلماء و الباحثين، و هي من أخطر قضايا العصر، و هي تكفير العوام من المسلمين، أو بالأحرى تكفير إيمان المقلد، و ما أثير حولها من شبهات و جدال.

و الاسم الصحيح للكتاب هو ما ذكرته انشاء الله، و ليس كما ورد في معجم أعلام الجزائر لعادل نويهض: " الجيش الكمين، في الكر على من يكفر عوام المسلمين " أو كما ذكر في معجم المؤلفين لرضا كحالة:" الجيين الكمين، في الرد على من يكفر عوام المسلمين".

وذلك حسب النسخة المخطوطة الموجودة في دار الكتب المصرية تحت رقم: 940 مجاميع، و هي التي أعتمدتها دار الصحابة للتراث بطنطا 1992 م، لأن ناسخها ذكر انه كتبها سنة 930 هـ، أي بعد سنة من وفاة مؤلفها، و هي النسخة الرابعة للمؤلف كما سيأتي:

افتتح ابو جمعة الوهراني كتابه هكذا:

" صلى الله على سيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم]

يقول عبيد الله: محمد شقرون بن أحمد بن بوجمعة ثم الوهراني لطف الله به، الحمد لله رافع الحق و معليه و مذل الباطل و أهليه القائل بقول حاذق: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]. و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه الذين اظهروا الدين و أزالوا عنه شبه الملحدين و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أما بعد:

فقد سألني جماعة من إخواني المسلمين و جماعة كثيرة من عوام المسلمين على مسألة المقلد في العقايد [كذا] و من لا يعرف الدلائل و البراهين و ينزه الله و رسوله [صلى الله عليه وسلم] و ينطق بالشهادتين لا زائد، هل إيمانه صحيح أم هو كافر و إيمانه فاسد؟ "

ثم يواصل قائلا:

" ... و طلبوا مني وفقهم الله صريح الجواب و إظهار الصواب و بيان المسألة لأولي الألباب .... فبادرت إلى إسعافهم في الجواب عن هذا السؤال موضحا إنشاء الله بأحسن مقال بنقل نصوص الأئمة من محالها لدفع هذه الشبهة و زوالها، متبرئا من القوة و الحول و مستعينا بذي العزة و الطول، و سميت هذا الجواب بالجيش و الكمين، لقتال من كفّر عامة المسلمين، و ها أنا أقول بالحق أصول و الله سبحانه المبلغ للمأمول ... "

و قد جاء في آخر المخطوطة:

" نجز هذا السؤال المذكور بحمد الله و حسن عونه على يد كاتبه أفقر الورى و أحوجهم لرحمة ربه و مغفرته الحاج حمزة بم محمد الصغير دعي بالمة الأندلسي التونسي منشأ و موطنا غفر الله له و لوالديه و لمن علمه خيرا في يوم ستة عشر في شهر الله الحرام محرم فاتح شهور سنة 930 و تاريخ مؤلفها أوائل رجب عام تسعمائة و عشرين، و هذه النسخة رابعة لخط المؤلف".

وفاته: توفي رحمه الله بفاس سنة 929 هـ / 1532 م


المصادر و المراجع:

- " تاريخ الجزائر الثقافي " الدكتور أبو القاسم سعد الله - دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م.
- "دراسات في تاريخ الغرب الإسلامي" الدكتور محمد الأمين بلغيث دار التنوير للنشر و التوزيع 1426 هـ / 2006 م.
- " البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان" ابن مريم أبو عبد الله محمد. ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر: 1986م.
- "قراءة الإمام نافع عند المغاربة" رسالة ذكتوراه للدكتور عبد الهادي حميتو.
- " التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد " فهرس ابن غازي، تحقيق محمد الزاهي- الدار البيضاء: 1399هـ - 1979م.
- " فهرس الفهارس " عبد الحي الكتاني تحقيق د. إحسان عباس - دار الغرب الإسلامي
بيروت – لبنان الطبعة الثانية 1402ه - 1982م
- محاضرة للأستاذ المحقق المهدي بوعبدلي – رحمه الله - بعنوان:
'' مقتطفات من اهتمام علماء الجزائر بالقراءات'' نشرت بمجلة المسجد العدد: 8 من موقع وزارة الشؤون الدينية الجزائرية.

ملاحظة: المنظومة اللامية في المرفقات
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير