2. وصنف ثان تمسكوا بمنهج ابن الجزري في التحقيق والتحرير ولم يقصروا عن مدرسته وهم اليوم أقل، وأقل منهم من يفقه عنهم ما هم عليه، ولكن ـ المخففة ـ المثبطون واللاغون في جهودهم هم السواد الأعظم وأصحاب العمائم والمشبعون زورا بما لم يعلموا من التخصص في علم القراءات.
ولقد تعلمت من تحرير طرق القراءات ابتداء لأجل تنقية الطيبة مما خرج فيه ابن الجزري عن طرقه، ولأجل تنقية كل من الحرز والتيسير مما خرجا فيه عن طرقهما.
ولكن بعد عشرين سنة من الدراسة الميدانية في تحرير طرق القراءات تبينت والله أعلم بالصواب وبالقصد أن علم القراءات اليوم أحوج إلى تحرير القراءات نفسها قبل تحرير طرق القراءات كما يأتي في هذا البحث بحثه لعل أئمة القراءات المعاصرين يتعاملون معه نقضا أو تقريرا بالأدلة بعيدا عن التعصب والتقليد الأعمى وإلا فبالنقد والتمحيص في المرحلة الأولى.
إن تحرير القراءات السبع والعشر وغيرها ليؤدي إلى الهدفين الساميين التاليين:
1. تساقط القياس وطرحه
2. استعادة الأداء الذي قرأ به التابعون الذين تلقوا القرآن من الصحابة الذين رافقوا أداء المصاحف العثمانية
ومن عجائب معجزة حفظ القرآن أن الأداء الذي قرأ به الصحابة بعد ظهور المصاحف العثمانية وأقرأوه تابعيهم هو مما تضمنته القراءات العشر المعلومة اليوم وزادت عليه من القياس واللهجات ما شاء الله.
الطبقة الرابعة: مدرسة ابن الجزري
لقد أجمع القراء فمن دونهم من المفسرين والمحدثين والفقهاء على قبول كل من حرز الأماني والدرة والطيبة ولم يتقبل من الأداء خارجها إلا قليل ظل يتلاشى يوما بعد يوما حتى كاد يتلاشى تماما كما هو شأن القراءات الأربع الزائدة على العشر.
وهكذا كتب الخلود وأطبقت الشهرة لكتاب التيسير للداني إذ هو أصل منظومة حرز الأماني ووجه التهاني، ولكتاب التحبير إذ هو أصل الدرة في القراءات الثلاث المتممة، ولكتاب النشر في القراءات العشر إذ هو أصل طيبة النشر.
ولقد حوى كتاب النشر جميع ما في الحرز والتيسير والتحبير وزاد عليها كثيرا من الأداء في أحرف الخلاف عن القراء السبعة والثلاثة بعدها.
وليذعنن من درس وتدارس كتابي النشر والطيبة باستحقاق ابن الجزري لقب المحقق الذي ألبسه إياه تلامذته فمن جاء بعدهم إلى يومنا هذا.
ولقد طرح ابن الجزري جانبا تبعا للمصنفين من طرق الرواة قبله عشرات القراء ممن هم مثل نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وغيرهم من القراء العشرة بل ممن هم أكبر منهم رتبة وأكثر علما وأعلى سندا ومنهم كبار التابعين في المدينة النبوية كسعيد بن المسيب ت 94هـ وابن هرمز الأعرج ت 109هـ، وفي مكة كطاووس بن كيسان ت 106هـ ومجاهد بن جبر ت 103هـ، وفي الشام كالمغيرة بن شعبة ت 91هـ، وفي البصرة كأبي العالية الرواحي ت حوالي 90هـ، وفي الكوفة كأبي عبد الرحمان السلمي الذي ولد في حياة النبي ? ولأبيه صحبة وعلقمة بن قيس ت 62هـ ومسروق بن الأجدع ت 63هـ وعبيد بن عمرو ت 72هـ وغيرهم.
ولا علاقة بين انقراض قراءاتهم ورواياتهم وبين الطعن فيها ولا التشكيك، وإنما بسبب أمر آخر أكبر وأخطر بسببه أخرجت هذا البحث وبينته في طبقة ابن مجاهد.
وكذلك طرح ابن الجزري بتأليف النشر والطيبة عشرات الروايات ووهبها للانقراض والتلاشي.
ولنأخذ لها نموذج قارئ واحد من القراء العشرة هو ابن عامر الشامي إذ قد انقرضت وتلاشت عنه الروايات التالية:
• رواية عبد الرحمان بن عامر
• رواية ربيعة بن يزيد
• رواية إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر
• رواية سعيد بن عبد العزيز
• رواية خلاد بن يزيد بن صبيح المري
• رواية يزيد بن أبي مالك
وانقرضت وتلاشت الروايات التالية عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر:
• رواية الوليد بن عتبة
• رواية عبد الحميد بن بكار
• رواية أبي مسهر الغساني
ولم أشأ الاستقصاء وإنما الاستدلال.
وتضمن النشر منهجا جديدا فريدا أحدث انقلابا حيي به علم القراءات فأورق وأزهر، ولعل منهجه في التحقيق بدأ يثمر بعد ستة قرون.
ولن يستنبط منهج ابن الجزري في التحقيق والتحرير إلا من استطاع ملاحظة الفرق بين النشر وطيبته أي تتبع مئات الروايات في كتاب النشر الملغية من الطيبة.
¥