ليس للأثر إسناد معروف في الكتب التي ورد فيها، كما ذكر الأستاذ المدني، وأقدم من ذكره في المصادر المعروفة أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل، كما ذكر الدكتور أنمار. ويمكن الإشارة إلى مصادر أخرى أوردت الأثر، وملاحظة وجود اختلاف في نصه في المصدر الواحد، كما يبدو في النصوص الآتية:
(1) ذكره الهذلي (ت465هت) في موضعين في الكامل (طبعة مؤسسة سما):
الموضع الأول: في مطلع كتاب التجويد (ص39 من المطبوع)، وهو قوله:"اعلم أن التجويد مَبْنِيٌّ على ما رُوِيَ عن علي أمير المؤمنين – رضي الله عنه – لمَّا سُئِلَ عن قوله:?وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً?، قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف ".
الموضع الثاني: في كتاب الوقف (ص132): وهو قوله:" قال أبو حاتم: من لم يعرف الوقف لم يعلم ما يقرأ، قال علي – رضي الله عنه: التنزيل [الصواب الترتيل] معرفة الوقوف وتحقيق الحروف، وهذا القرآن نزل باللغة العربية ... ".
(2) ذكره السمرقندي (ت780هـ) في موضعين أيضاً في كتابه رَوْحُ المريد في شرح العقد الفريد (تحقيق إبراهيم عواد: الجامعة الإسلامية، بغداد 1420ه =1999م) وهما:
الموضع الأول: في مقدمة الكتاب (ص60)، وهو قوله:" ورُوِيَ عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:" الترتيل حفظ الوقوف، وبيان الحروف"، وفي رواية ابن عباس عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:" الترتيل حفظ الوقوف، وأداء الحروف".
الموضع الثاني: في أول باب الوقف (ص212)، وهو قوله:ثم اعلم أن الأصل في الوقف ما سأل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- عن الترتيل فقال – صلى الله عليه وسلم:" الترتيل حفظ الوقوف وأداء الحروف "، وقد ذُكِرَ في أول الكتاب".
(3) ذكره ابن الجزري (ت833هـ) في التمهيد عند بيان معنى الترتيل (ص 60) وهو قوله: سُئِلَ علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –عن هذه الآية، فقال: الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ".
وذكره في كتابه النشر في موضعين:
الموضع الأول: في بيان معنى الترتيل (1/ 209)، وهو قوله:" وجاء عن علي – رضي الله عنه – أنه سُئِلَ عن قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلاً)، فقال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ".
الموضع الثاني: في أول باب الوقف (1/ 225)، وهو قوله:" ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته، كما قدمنا عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قوله: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف".
ونَقَلَ هذا الأثر شُرَّاح المقدمة الجزرية وغيرهم من المتأخرين الذين كتبوا في علم التجويد، أو في علم الوقف والابتداء، ولا أجد ضرورة لنقل جميع ذلك في هذه العجالة، لكن قبل الانتقال إلى الجانب الثاني من الموضوع ألفت نظر القارئ الكريم إلى ثلاثة أمور في هذه النصوص: الأمر الأول اختلاف المصادر في رفع الأثر أو وقفه، والثاني اختلاف المصادر في نص الأثر، فمرة ترد فيه كلمة التجويد، وأخرى ترد كلمة أخرى مكانها، والأمر الثالث: ما ورد في قول الهذلي في الموضع الثاني قد يشير إلى احتمال أن يكون أبو حاتم السجستاني (ت255هـ) قد أورد الأثر في كتابه في الوقف والابتداء.
ثانياً: دلالة الأثر وما يمكن أن يستنبط منه
استدل علماء التجويد والوقف والابتداء بهذا الأثر على بيان معنى الترتيل، وبيان أهمية معرفة موضوع الوقف والابتداء، كما يتضح من النصوص السابقة.
وكان هذا الأثر قد استوقفني حين كنت أبحث عن تاريخٍ لظهور مصطلح التجويد بالمعنى الاصطلاحي، ولم أكن وقفتُ عليه حين كتبتُ بحثي (علم التجويد: نشأته ومعالمه الأولى) سنة 1400هـ=1980م، والذي رجحت فيه أن أول استعمال لكلمة التجويد بالمعنى الاصطلاحي كان في القرن الرابع الهجري (تنظر ص60 من كتاب: أبحاث في علم التجويد).
ووقفت على هذا الأثر حين كتبت أطروحتي للدكتوراه سنة 1405هـ = 1985م، وأثار لدي إشكالاً حول صحة الاستنتاج السابق بشأن تاريخ استعمال مصطلح التجويد، ولمَّا كانت الشواهد التاريخية تدل على تأخر ظهور مصطلح التجويد حتى القرن الرابع الهجري، فإني رجحت أن يكون النص الأصلي للأثر المذكور هو (الترتيل حفظ الوقوف، وبيان [أو تحقيق، أو أداء] الحروف) سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً، وقلت: "وهذه الرواية أقرب إلى واقع الاستخدام الاصطلاحي لكلمة التجويد" (ينظر ص16 هامش 1، من كتاب الدراسات الصوتية عند علماء التجويد).
هذه خلاصة ما عرفته عن هذا الأثر، وما كتبته حوله من قبل، وأرجو أن يكون في هذا توضيح لما ورد في كلام الدكتور أنمار، وعسى أن يكون فيه ما يجعله يراجع بعض عباراته التي استعملها، من مثل قوله (زعم) التي قالوا عنها قديماً بأنها مطية الكذب، وآمل أيضاً أن يكون قد وَضَحَ أني لم أرجع عن كلامي السابق، لأني لم أجد إلى الآن ما يحملني على تعديل تصوري الذي استخلصته من قبل عن تاريخ استعمال مصطلح التجويد، وإذا ظهر ما يقتضي مراجعة موقفي هذا فإني سوف أسارع إلى ذلك، والله تعالى أعلم.
¥