تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يذكر هنا أن إطالة النطق بالأصوات في باب الندبة هو من التنغيم –أيضا- وهو ما أشار إليه ابن جني حيث قال ممثلاً بقوله: ? يآأَسَفَى .. ?، من قوله تعالى على لسان يعقوب ?: ? يَآأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ .. ?: "إنما هو لإعلام السامع وإيقافه على مدى التفجع والتحسر على المندوب". كما يعدّ من باب التنغيم: الإطالة في باب الإنكار لغرض الاستنكار والتعجب، من ذلك قول قوم إبراهيم لإبراهيم ?: ? قَالُوا ءَ أَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ?، فالهمز يقرأ عند بعض القراء بالمد.

هنالك الكثير من الشواهد التي يتغير المعنى فيها لمجرد عدم مراعاة النغم الصحيح الذي يناسب الكلمة ويبرز فيها دور النبر في أداء المعنى غير ما تقدم، على سبيل المثال:

قوله تعالى: ? وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ .. ?، انظر كيف يمكن للنبر أن يغيِّر المعنى من كون لفظة الحق مصدرا إلى كونها فعل أمر من اللحاق: "وقل ءالحق".

وقوله تعالى: ? أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِِ ?، لا يفهم المعنى إلاّ إذا كان النطق معبِّرا عن صيغة الاستفهام، وعليه فالنبر يكون متغيراً، ولا يستقيم بحال أن ينطق بالعبارة كما تنطق الجملة الخبرية، وكذا الأمر بالنسبة لبقية مواضع الاستفهام، وبقية أغراض الكلام إذ لا بد من مراعاتها.

وقوله تعالى: ? وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ .. ?، يجب أن يكون النبر على المقطع الثاني من الكلمة "وترى"، وتكون النغمة صاعدة عند نهاية الكلمة، لكن القراءة بغير هذه النغمة تغير المعنى، ويفهم السامع أن "وترى" كلها كلمة واحدة (فإذا كان النغم على الواو تغير المعنى بتمامه، إذ يصبح الألف حرفا أولا للكلمة، فتكون من وتر الشيء، وهذا التغير يدل على أهمية النبر الذي يصعد عند النطق بالتاء).

وقوله تعالى: ? يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ?، فلفظة "المفر" هذه، موضع النبر فيها يغير المعنى كاملاً، فإذا كانت النغمة هابطة عند النطق بالكلمة مفر بحيث تنتهي بحرف الراء، فإن المعنى ينقلب تماماً مفرْ، وبالتالي لا بد لقارئ القرآن أن ينتبه إلى أن يكون النبر صاعداً عند النطق بالفاء وينتهي بالراء: م ف ر.

قد يكون رسم الكلمة واحدا، إلا أن النطق يختلف، مثل: "ألم" و "ألف لام ميم" الأحرف المقطعة. و"ألم" على اعتبار الهمزة للاستفهام و"الألم" من الإيلام، فالنبر وحده هو الذي يحل الإشكال، وقد يعبر النبر عن المحذوف من الكلام، كقوله: ? فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .. ?، و ? رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ... ?، ومنه: ? مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... ?.

من الأمثلة التي تظهر دور التنغيم: ضمير الشأن عند الوقوف عليه، انظر قوله تعالى:

? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ... ?، لو أردنا الوقوف على الهاء من كلمة "به" لا بد من أن تكون النغمة صاعدة عند النطق بالباء لتظهر الهاء، وإلاّ لتغير المعنى واختل النظم خاصة، وأن تمام الآية يقتضي هذا التوازن الإيقاعي: ?وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ... ?.

وهكذا نجد أن للنبر دورا كبيرا في تحديد أمر ومراعاة النبر، فهو ضروري يؤكد عليه القراء عند النطق به لأن النبر يقف عند بعض الأحرف التي ربما لو لم يحسن النطق لذهبت نطقاً فلم يدركها السامع.

مما تقدم ندرك أن تحديد المعنى وتوضيحه أحياناً يتوقف على خواص صوتية لهذا الكلام المنطوق، من أهم هذه الخواص ما يعرف بـ"موسيقى الكلام"، تلك الموسيقى التي تلون النطق وتمنحه معاني متنوعة بحسب السياق والمقام".

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن تغيُّر النبر (الصوت) وتحويله ليناسب أغراض الكلام هو الرسالة التي توصل المعنى إلى المستمع، وقد نص بعض العلماء على ضرورة خفض الصوت في بعض المواطن، من ذلك قراءة: ? وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ?، وقوله تعالى: ? وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ... ?، ? لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ... ?، وقوله: ? وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .. ?، وقوله: ? هَذَا رَبِّي؟ ‍‍ ?، إن خرج

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير