تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من الأطروحات التي تدهشنا لدى عبد المجيد الشرفي قوله في ما يخص اتهام اليهود والنصارى بالتحريف فإنه يرى ان ذلك غير صحيح بالمعنى الذي شاع في العالم الإسلامي. والواقع ان هذه الأفكار تبلورت في فترات لاحقة على القرآن وبعد ان وجد المسلمون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع علماء اليهود والمسيحيين في البلاد المفتوحة، ومعلوم ان هؤلاء لم يعترفوا بالوحي الجديد الذي رأوا فيه منافسا لكتبهم.

فحصلت عندئذ مماحكات جدالية أدت إلى بلورة أطروحات هجومية ضدهم من قبل فقهاء المسلمين. وبالتالي فينبغي ان نموضع الأمور ضمن سياقها التاريخي لكي نفهمها على حقيقتها. لا ريب في ان كلمة التحريف واردة في القرآن في عدة مواضع ولكن معناها ليس عموميا كما شاع في ما بعد. بمعنى ان القرآن الكريم لا يقصد أبدا بأن التوراة محرفة أو أن الإنجيل مزور، ولا يقصد بأن كتب الوحي السابقة عليه خاطئة أو غير ربانية، وإنما يقصد بأن أتباعها حرفوا فهمها أو فهموها عن خطأ. هذا كل ما في الأمر، لكن في زحمة المجابهات الحامية بين المسلمين وأتباع هاتين الديانتين راح الفقهاء يشككون حتى في نص التوراة والإنجيل! وهذا مضاد تماماً لما جاء في القرآن الكريم وفي أكثر من موضع.

وبما ان الأرثوذكسية ـ أي الفهم الشائع للإسلام ـ لم تعد قادرة على مواجهة تحديات الحداثة، فإنه تقع على كاهل المفكرين الجدد في الإسلام مهمة تأويل التراث الإسلامي كله او إعادة تأويله وغربلته وتمحيصه على ضوء التجربة التاريخية والعلم الحديث من هنا عنوان كتابه الشهير الإسلام بين الرسالة والتاريخ.

ثم يردف الشرفي قائلاً:

القرآن يحتوي على (6200) آية من بينها فقط (220) أو (250) آية تشريعية. بمعنى أنها لا تشكل أكثر من 3 أو %4 من آيات القرآن. ومع ذلك فإن المسلمين لا يركزون إلا عليها ولا يرون إلا سواها .. وبالتالي فلا ينبغي ان تقتصر حياة المؤمن على هذا الجانب من القرآن، فالقرآن الكريم مليء بالتعاليم الأخلاقية الرفيعة والتوجيهات التربوية بالمعنى العام للكلمة. وهي تعاليم موجهة إلى البشرية كلها.

ثم يفاجئنا عبد المجيد الشرفي بأطروحات جريئة جداً إذ يقول:

هناك مسافة كبيرة بين الغايات السامية للرسالة النبوية المحمدية، وبين ما فعله بعض المسلمين بها وكيف حرّفوها عن مواضعها أو مقاصدها فيما بعد.

ثم يتحدث الشرفي عن العلوم الإسلامية التقليدية التي بلورت في ظل السلطة الأموية فالعباسية في من أجل خلع المشروعية على المؤسسات السياسية المنشأة حديثاً، وهي علم أصول الفقه، والتفسير، والحديث، وعلم الكلام، والتصوف .. وقد أصبحت هذه العلوم البشرية المحضة كالحجاب الحاجز الذي يفصل بيننا وبين القرآن، وبالتدريج تم نسيان القرآن من قبل المؤمنين أو المسلمين. وبالتالي فإن كتابات الفقهاء والمفسرين أصبحت عبارة عن عقبات تحول بين المسلمين وبين اكتشاف الوحي مباشرة أو التواصل معه بدون وسيط فرجال الدين يريدون ان يتوسطوا بينك وبين كلام الله في حين انه لا يوجد في الإسلام وسيط.

لقد كانت قراءة الحداثيين الإلغائية قد ألغت الحجاب والمواريث والحدود ومفهوم السنة النبوية، لكنها وقفت عند حدود العبادات وقالت، لأسباب مختلفة: لا مساس!

لكن الشرفي يرى أن التحديث يجب ألا يقف عند حدّ معين، فهو يرى أن العبادات من "الثوابت الزائفة" و"المسلمات المغلوطة" وأن جعلها من الأركان وتسويتها بالشهادة أمر لا دليل عليه قرآنيًا وهو يأخذ مثلاً من بعض الآثار التي تتحدث عن وجود البسملة في الصلاة والأخرى التي لا تتحدث عن وجودها دليلاً على المرونة التي تميزت بها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والمرونة التي يقصدها ليست الاختيار من بين هذه الهيئات التي ذكرها، بل هي مرونة تتعدى ذلك بكثيرٍ وصولاً إلى كيفية الصلاة وعدد ركعاتها، ذلك أن "توحيد الطقوس هو مما اقتضته سيرورة المأسسة التي خضع لها الدين الإسلامي حين انخرط في التاريخ"، وهو أمر صار تاريخًا وانقضى بحسب متطلبات التحديث والحداثة التي ينادي بها.

فلنشاهد كيف يتعامل مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" إنه يقول:

"فهذا الحديث إن صح، وعلى فرض أنه ملزم للمسلمين في غير عصره وبيئته، لا يعني بالضرورة حصر أشكال الصلاة في شكل وحيد، وليس فيه تحريم لغير الطريقة التي صلى بها ولا إقصاء للمصلين بغيرها". أي أن هناك ثلاث خطط يتعامل بها مع نص الحديث:

أولا: التشكيك في صحة الحديث بشكل ضبابي (إن صح!)، وهو لا يخبرنا عن معايير للتصحيح أو التضعيف، والحديث صحيح بكل الأحوال (رواه البخاري).

ثانيًا: يقول: "على فرض أنه ملزم في غير عصره وبيئته" أي أن "تاريخية النص" جاهزة دومًا للإجهاز على النص.

ثالثًا: "ليس فيه تحريم لغير الطريقة التي صلى بها" أي أن هذا يساوي في النهاية بين أنواع الصلوات وهيئاتها كلها ..

ويسجل الشرفي "أن عدم تنصيص القرآن على عدد الصلوات وعلى كيفيات أدائها مقصود، ولم يترك بيانه عبثًا " من أجل الدخول إلى المرونة المزعومة التي تنسف الكيفيات والعدد والهيئات.

ولا زلت أنتظر تعليق الإخوة ....

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير