تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

((لا يوجد مستند صحيح، ولا دليل علمي صريح، يقول ان الأصل هو الرسم القياسي، وحتى نفهم أبعاد هذا الكلام ودلائله، لا بد من إدراك أثر العامل التاريخي في صور هجاء الكلمات، ولا يتم ذلك إلا بربط الكتابة في صدر الإسلام ـ وفي نصف القرن الأول الهجري على وجه التحديد الذي تم فيه كتابة المصحف الشريف بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعه في عهد الصديق ونسخه للأمصار في عهد عثمان ـ مع الكتابة قبل مجيء الإسلام؛ حتى يتم تفسير بعض الظواهر الكتابية كالزيادة والنقصان والحذف والتغيير .... التي كانت من مستلزمات ذلك الخط وقواعده في ذاك العصر.

وبعد الاطلاع على النقوش العربية ـ التي عثر عليها حتى الآن ـ قبل الإسلام والتي تمثلت في: نقش أم الجمال الأول، ونقش النمارة، ونقش زبد، ونقش حران، تبين لنا بالتحقيق العلمي على ضوء تلك الاكتشافات أصل الكتابة العربية هو أن الخط العربي القديم اشتق من الخط النبطي المتأخر؛ فالكتابة العربية آنذاك ما هي إلا تطور للكتابة النبطية المنحدرة بدورها عن الخط الآرامي ...

وقبل أن نشير إلى ذلك لا بد أن ندلل على الارتباط الوثيق بين الكتابة العربية والكتابة النبطية، بأمثلة من النقوش تشير إلى بعض الظواهر الكتابية الملفتة للنظر:

ففي نقش حران نجد أن أسماء الأعلام منتهية (بواو) زائدة على أصوات الكلمة، بالإضافة إلى حذف (الألف) في الوسط، لكنها تشير إلى خاصية كتابية كانت شائعة في الكتابة النبطية، وهي إلحاق الواو بأسماء الأعلام، مثل: (ظلمو)، هي (ظالم) منتهية بواو زائدة مع حذف الفتحة الطويلة (الألف) من الوسط، و (غوثو) هي (غوث) و (مقيمو) هي (مقيم)، ونجد في نقش النمارة الأسماء الآتية: (عمرو، نزرو، مذحجو، شمرو، فرسو)، وهذه الظاهرة تفسر لنا بوضوح سر زيادة (الواو) في نهاية الاسم (عمرو) في الكتابة العربية ـ القديمة وحتى عصرنا الحاضر ـ والتي ذهب علماء العربية فيها مذهباً بعيداً عن الإحساس بالبعد التاريخي للكتابة واللغة.

ونجد في نقش القاهرة كلمة (سنت) قد كتبت بالتاء المبسوطة، لكن نفس النقش يقدم لنا كلمة (رحمة) بالتاء المربوطة، ونجد تفسير هذه الظاهرة في النقوش النبطية؛ إذ إن أقدم النقوش النبطية تظهر فيها تاء التأنيث في آخر الأسماء المكتوبة بالتاء، مثل: (سنت)، وحرثت (حارثة)؛ فظاهرة كتابة تاء التأنيث بهذه الطريقة ذات أصول نبطية.

[قلت: وهذا دليل يستأنس به حقيقة في تعليل رسم تاء التأنيث في المصاحف العثمانية وأن الخلاف فيها ليس له علة؛ إنما الإرث التاريخي للكتابة].

ـ اما بالنسبة لخصائص الكتابة العربية في صدر الإسلام حتى عصر انتساخ المصاحف العثمانية ـ وهو ما يهمنا في هذا البحث ـ مستمداً ذلك مما وصل إلينا من كتابات منقوشة أو مخطوطة؛ ليتبين لنا إلى أي مدى حمل الرسم العثماني خصائص الكتابة العربية آنذاك، وأنه لم يكن بدعاً، أو خارجاً عن العادة.

ليس في أيدي الباحثين من الوثائق التي تعود إلى عصر صدر الإسلام إلا عدد محدود، ولا شك أن هذا العدد المحدود ـ الذي وصلنا ـ لا يمثل واقع الكتابة العربية في ذلك الوقت؛ فقد توافرت الدواعي لأن تنتشر الكتابة انتشاراً واسعاً، والروايات والأخبار تؤكد ممارسة الكتابة على نطاق واسع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تمثل ذلك في كتابة القرآن منذ العهد المكي، والترخيص لبعض الصحابة بكتابة الحديث، وكثرة الكتب التي أرسلها الرسول إلى ملوك وأمراء العرب، يدعوهم إلى الإسلام، فقد ذكر ابن سعد ما يقرب من مئة وعشرة كتب، وكان أيضاً يكتب لوفود العرب، وقد ذكر الدكتور محمد حميد الله (246) كتاباً ورسالة ترجع إلى العهد النبوي، بالإضافة إلى أن النبي اتخذ أربعين كاتباً متخصصاً ومنقطعاً للكتابة له، وقد اتخذ أيضاً خاتماً من فضة منقوشاً عليه (محمد رسول الله)؛ لختم الكتب.

إلا أن المشكلة ـ كما ذكرتُ ـ تكمن في عدم وصول هذا العدد الواسع من الوثائق والسجلات، حتى نستطيع أن نصل إلى خصائص الكتابة العربية في العهد النبوي، وهل تأثر رسم المصحف بما كان سائداً آنذاك، والذي يبدو أن عامل التلف الذي أصاب تلك الوثائق الأساس في تعليل تلك الندرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير