تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن هناك – على مستوى النطق الواقعي في الأقطار المختلفة – صفات وهيئات ذُكرت عن الضاد تجعل ما سقناه آنفاً ضاداً واحدة من مجموعة ضادات. فقد روى ابن الجزري عن ابن جني في كتابه ((التنبيه)) أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم. وهذا غريب وفيه توسع للعامة، ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك وهم أكثر المصريين ([4]) وبعض أهل المغرب، ومنهم من يجعلها دالاً مفخمة، ومنهم من يخرجها لامًا مفخمة – وهم الزيالع ومن ضاهاهم لأن اللام مشاركة لها في المخرج لا في الصفات فهي بعكس الظاء – لأن الظاء تشارك الضاد في الصفات لا في المخرج ([5]).

والمرجح أن ما عدا نطق الضاد ظاء مطلقا هو من كلام ابن الجزري (أعني في النص السابق) وقد ذكر في النشر نطق الضاد ظاء، وذالان ولاما مفخمة، وشبيهاً بالزاي ([6]) وقد سمعت أنا أهل نيجيريا – وهم من الموصوفين بالزيالع – ينطقون اسم مُرتَضَى وكأنه مُرْتلى (بلام مفخمة ويكتبونه بالإنجليزية Mortala).

فإذا أضفنا إلى ذلك أن سيبويه ومن تبعه عدُّوا من الحروف الفرعية المستقبحة الضاد الضعيفة ([7])، ولم يَصِفو صوته، وقال ابن يعيش عن هذه الضاد الضعيفة، ((والضاد الضعيفة من لغة قوم اعتاصت عليهم (أي الضاد) فربما أخرجوها ظاء. وذلك أنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما راموا إخراجها من مخرجها فلم يتأتَّ لهم ذلك فخرجت بين الضاد والطاء. . ([8])

تحصل لنا من كل هذا أن الضاد تُنْطَق – على جانب الصورة الفصحى الناتجة من إتباع طريقة إخراجها ووصفها كما ذكرها الأئمة المتقدمون – على الأنحاء أو الصور التالية.

أ- ظاء – كنطق العراقيين.

ب- طاء (فصيحة – كنطق أكثر المصريين.

ج- دلاً مفخمة – كنطق بعض المصريين وبخاصة النساء.

د- لاما مفخمة كنطق أكثر إخواننا النيجيريين.

ه- (ممزوجة بالذال).

و- (مشمة زايا).

ز- شبيهة بالثاء.

ح- بين الطاء والضاد. (والراجح أن هذه عين رقم ب).

هذه تسع صور فأيتهن الفصحى؟ الذي أجزم به هو أن ضاد الفصحى هي التي تُنْطق تبعاً لما حدده سيبويه وتابعوه بشأن مخرجها وصفاتها وهي التي سبق أن وصفنا طريقة إخراجها. وهي رِخْوة يشبه صَدَى صوتِها صَدى صوت الظاء، لكن صدى صوت الضاد أغلظ وأفخم. ومن أقوى ما يشهد لأفصحية هذا النطق أن سيبويه ذكر علامة نطق الحرف الرخو أنه يمكن مد الصوت به إذا وقفتَ عليه مثَّل لذلك بكلمتين أحدهما آخرها (س) مشددة وهي ((الطسّ))، والأخرى آخرها (ص) مشددة وهي ((انقضّ)) أي أنك تستطيع أن تقول الطَسّ س س س. . . وأن تقول انْقَضّ ض ض ض وهذا لا يتأتى في الضاد إلا إذا كانت رخوة، ويستحيل وقوع هذا المدّ في نطق الضاد المصرية لأنها شديدة. ثم إن الضاد الفصحى التي وصفنا طريقة إخراجها يشبه صداها صدى الظاء كما قلنا.

والدليل على أن الضاد الفصحى تخمل صدى مشابها لصدى الظاء ما سجله القدماء من وقوع الالتباس بينهما منذ وقت مبكر: وأدلة تشابه صدى وصوتْيهما ما يلي:

أ- فقد قال أبو عمرو (154هـ) سمعت غير واحد من الفقهاء يقول إن الصلاة غير جائزة خلف من لا يميز الضاد من الظاء ولم يفرق بينهما بمعرفة اللفظ ([9]). أي أن التباس صوت كل منهما بصوت الأخرى لشبهه به واقع منذ صدر القرن الثاني، وربما منذ القرن الأول).

وذكر الجاحظ قصة رجل كانت له جارية تسمى ظمياء فكان يناديها يا ضمياء، وكان ابن المقفع (المتوفى 145هـ) يغيّر عليه حتى جَبَهه الرجل. وحكى الفراء (207هـ) عن المفضل (167/ 177هـ) قال ((من العرب من يبدل الضاد ظاء فيقول عَظّت الحرب بني تميم)) ومن العرب من يعكس فيبدل الظاء ضاداً فيقول في الظُّهر ضُهر)) ([10]).

ب- وألف الأئمة من قديم تآليف خاصة بالتمييز بين الضاد والظاء – ولولا أنهما كانتا متشابهتين في صَدَيَيْهما إلى درجة التباس احدهما بالأخرى ما استدعى الأمر تآليف خاصة لكشف ذلك الالتباس ([11]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير