تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أحصى بعض اللغويين المحدثين من تلك المؤلفات خمسين مؤلفاً ([12])، طُبع منها كثير؛. أما سبيل التمييز بين الضاد والظاء في تلك الكتب فإن الجهور الأعظم منها جعل سبيلة إلى التمييز تعيين الكلمات التي فيها ظاء وحدها ([13])، أو مع الكلمات التي فيها ضاد أيضا، أو سرد أزواج الكلمات التي تناظرتا فيها. والسبيل الثاني – وقد اتخذتُّه كتبٌ جِدُّ قليلة – هو بيان مخرج كل من الحرفين وصفاته وما يتميز به كلٌّ عن الآخر، وقد جمع الإمام أبو عمرو الداني في كتابه بين السبيلين ([14]).

والأهم لنا هنا هو السبيل الثاني. وأشفى معالجة وأوفاها هي معالجة علي بن غانم المقدسي (10004هـ) وقد أثبت فيه أدلة علمية صحيحة عقلية ونقلية (أي عن الأئمة) لتشابه صدى الضاد الفصيحة والظاء، وأن الفرق بينهما إنما هو في المخرج، وساق أقوال السبعة من الأئمة المشهوري في إثبات التشابه بين صدى الحرفين، منهم مكي بن أبي طالب والصخاوي والجعبري وابن الجزري والتُّجيبي والهواري ([15]) ولم يذكر ضمن هؤلاء أبا عمرو الداني (444هـ) – مع أنه نص على أن الفرق بين الظاء والضاد إنما هو المخرج والاستطالة لا غير، وهي بعد ذلك موافقة لها في الجهر والرخاوة)) ([16])، وكذلك لم يذكر ابن سنان الخفاجي (466هـ) مع قوله مُهَوّنا من كثرة حروف بعض اللغات الأخرى: ((إنك إذا تأملتها (أي تلك اللغات) وجدت بعض الحروف التي فيها يتشابه ببعض كثيرا، على حَدّ تشابُه الظاء والضاد في لغة العرب، فغن هذين الحرفين متقاربان، لأجل ذلك احتاج الناس إلى تصنيف الكتب في الفرق بينهما ولم يتكلفوا ذلك في غيرهما من الحروف)) ([17])

ج - قوبلت الضاد في الفواصل والقوافي بالظاء – ولولا تشابه صدييهما ما جاز ذلك. قال أبو الأسود (67\ 69هـ) لغلامه: ما فعلت أمرأة أبيك التي كانت تشارّه، وتجارّه، وتزارّه، وتمارّه؟ قال: خيرا، طلقها وتزوج غيرها فحَظِيتْ ورضيت وبظيت ([18]).

فقابل الظاء في حظيت وبظيت بالضاد في رضيت.

وثبوت التشابه والالتباس منذ القرن الأول أو الثاني دليل على أن صدى الضاد في نطق القدماء كان يشبه صدى الظاء. فهو النطق الفصيح لأن القرن الأول والثاني هما آخر قرون الاحتجاج.

على أنه يمكن الحكم بأن التخفف في نطق الضاد بأدائها شديدة كان يقع منذ وقت مبكر بسبب الكلفة في أدائها فصيحة أي رخوة جانبية كما وصفنا. وتكون في هذا النطق المتخفف كالضاد المصرية التي تشبه الدال المفخمة. وشاهد وقوع هذا النطق مبكرا قول الأغلب العجلي – حين استنشده عاملُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أَرجزا تريد أم قصيدا – رُويَ: أم قريضا-

لقد سالت هينا موجوداً

أم هكذا بينهما تعريضاً.

كلاهم أحيد مستريضا ([19]).

فمقابلته الضاد في القافية بالدال في كلمتي ((قصيدا)) و ((موجودا)) أو الأخيرة فقط يعني أنه كان يحس أنهما متقاربان وكأنهم سواء – وهذا لا يكون إلا بنطق الضاد شديدة. ولهذا الأمر – إن صحت الرواية به – قيمته؛ إذا يعني أن الضاد المصرية (= الدال الشديدة المفخمة) له أساس قديم فصيح.

- وأيضا نجد في وصف ابن سينا لخروج الضاد أنها شديدة.

بقي بيان سبب تسمية العربية لغة الضاد. إن سبب ذلك هو تفرد العربية بهذا الصوت إذا أُدي الأداء الفصيح، وأنه يكون حين هذا الأداء ضخم الوقْع مجهدا. ولعل الجهد الذي يتطلبه إخراجُه فصيحا هو سبب تصرف الألسنة فيه على الصور التي أسلفناها من قبلُ تَخفُّفا. ولقد قيل بتفرد العربية بأصوات أخرى كالعين والحاء والظاء. لكن العين والحاء مستعملتان في السريانية والعبرية. وإذا صدق تفرد العربية بالظاء كان تفردها بالضاد أصدق ([20])

-- الحواشي


([1]) أصل هذا الذي ذكرناه في كتاب سيبويه 4/ 457 سطر 9 – 10 و 465 سطر 4 – 6 ونصه هنا ((لأنها (أي الضاد) اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها، لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين)).
وقال في 4/ 466 ((لأنها قد خالطت. . باستطالتها الثنية (يعني أصول الثنايا) وهي مع ذا مطبقة)) اهـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير