ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 10:32 ص]ـ
رابعا: لماذا المواجهة وحق الاختلاف؟
(1)
لأن الحضارة الغربية الحديثة انتهت إلى قطبية واحدة
تفرض زعامتها على أهل الأرض بصلف وكبرياء وعنجهية، وأصبحت تعتبر غير أهل القطبية قطيعا بشريا تقوده بعجرفة وبدون قيم إنسانية.
ووجد الباحث أن مستقبل هذه الحضارة سوف يشهد حدثين:
" أحدهما
انهيار النظريات الأخلاقية والأنساق المعيارية والدساتير السلوكية الكبرى التي كانت إلى حد الآن توجه الحضارة الغربية، فيتسبب ذلك في فراغ أخلاقي لا يُحتمل؛
والثاني:
ازدياد الهروب إلى الحياة الخاصة باعتبارها الفضاء المتميز لممارسة الحرية الفردية …" (26).
مشروعه ثورة على الفلسفة العالمية المفروضة،
وتسفيه لما تدعيه من عالمية، حين تريد أن تهيمن بمنظورها الفلسفي الواحد. ثورة على الفلسفة الغربية الحديثة؛ بهدم مقولاتها التي استعبدت التابعين لها وبالكشف عن حقيقة العقلانية فيها، وهدم مزاعم الحداثة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
ولم يكتف بذلك بل عمل في كتابه الحق العربي في الاختلاف على بيان ما يكتنف الفلسفة من أساطير، وما تنبني عليه من رؤية يهودية.
فقد لاحظ أن "الفلسفة الكونية التي يُنتجها النظام العالمي الجديد … فلسفة قومية مبنية على أصول التراث اليهودي" (27).
ويمكن اعتبار هذا المشروع انتفاضة وضعها د. طه ضداً على القيم الغربية الحديثة، وإقامة لكينونة إنسانية تنشد قيم الحق.
(2)
وقوعُ أهل الإسلام في براثن الحضارة الغربية الحديثة، وذوبان القيم الدالة على خصوصيتهم فيها.
فمشروعه مناهضة لتسلط فلسفة الغرب على الذين يشتغلون بالفلسفة من العرب، ودعوة لهؤلاء أن يُنجزوا حقها في الاختلاف. فقد لاحظ أن أمة الإسلام تتعرض، منذ نهاية القرن العشرين، لتحديات تستهدف وجودها وعقيدتها وقيمها. (وهذا ما يلاحظ اليوم بحدة).
حضارة الغرب المعاصر أصبحت ديار الإسلام في قبضتها، وهي اليوم تراقب البيت العتيق بـ"راداراتها"، وتسعى أن ترسم سياسات البلدان الإسلامية والعربية على مقتضيات أهوائها ومصالحها، أما أهل ديار الإسلام فكثير منهم يُسارعون إلى تقليدها والتشبه بكل ما يعتريها من تحولات، وينتابها من تقلبات. لقد أصبحت حضارة الغرب عقيدة حديثة يتمسك أهل تلك البلدان بقيمها، ويستبدلون قيمهم بقيمها، ويتشكلون بالصور التي ترضي تلك الأهواء والمصالح. وأهل ديار الإسلام استلذوا الشهوات التي تمطرهم بها حضارة الحداثة، فهم لا يستطيعون عنها فكاكا.
وتراهم قد استحبوا العبودية لشهواتهم وملذاتهم.
(3)
ظاهرة التهافت على حداثة الفكر الغربي
والتهالك عليها، والدخول إلى الحداثة تحت رايته، وبتأثير من توجيهاته. مع التعويل على ذلك الفكر في كل حركات الحياة. وهي فترة بلغ فيها المد العلمانيُّ منتهاه، وكشر فيها الإلحاد عن نابيه، وصار علامة على الرقي الفكري والموقف الثوري. وانفجرت فيها الكتابة حول مفاهيم الحداثة. وبدأ الإبداع العربي يتشكل وفق التقاليع النقدية في الغرب وأضحت فيها المناهج سُحُباً عابرة، يجتمع حولها الناس ثم ينفضون في انتظار ما تجود به قرائح غيرهم. ولعل أهم ما أثار الباحث في مشروعه ما لاحظه من طغيان التقليد في حركة الحياة في عالم الإسلام، وما لامسه من تأثيرات الفكر الفلسفي الغربي في مسار الفكر الإسلامي العربي المعاصر. ورأى أن المنتسبين إلى ملته قد تقطعت بهم الأسباب فانقطعوا عن قيمهم وصاروا قُطعاناً في أرض جرداء.
والواقع أن كثيرا من المفكرين العرب تعاملوا مع الفكر الغربي باعتباره النموذج للفكر العلمي، وسعوا بكل الوسائل إلى إقناع بني جلدتهم بهذه الفكرة. وظلوا يضعون الهوامش تلو الهوامش على مجموعة مقالات شكلت لديهم مرجعية الحداثة، من تلك المقالات ما تبارى المترجمون في ترجمته فترجم أكثر من مرة.
(4)
واجب المسؤولية أو النهوض بما ينبغي أن ينهض به كل مسلم مسلم،
¥