تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 10:10 ص]ـ

ثالثا: مظاهر التجديد في مشروعه

يحس كل من يقرأ كتب هذا الرجل أنه أصبح يواجه هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الإسلام

بمفرده، وبعزيمة لا تُقهر ولا تلين، وبتحد قل نظيره، وبطاقة متجددة باستمرار.

يُريد أن يُصحح المسار الفكري، أن يُجدد ويجتهد ويُقدم البديل، ويُحدد الكيفية التي يتم بها إنجاز هذا البديل؛ فيؤصل المفاهيم ويُصنع المصطلحات، ويواجه فلاسفة الشرق والغرب، ويرمي فلاسفة العرب بالعقم والتقليد والتبعية لغيرهم، وينتقد المفاهيم المقررة في عالمنا المعاصر: الفلسفة، العقلانية، الأخلاق، الترجمة، الحداثة

… أن يُحارب على جميع الجبهات،

أن يُزيل الأوهام ويوقظ الأرواح ويجعل الإسلام دين المستقبل، ويجعل الفكر الإنساني ينفعل بالتخلق أي بالتدين. ويُمكن القول – عموما –

أنه يأتي في كل ما يذهب إليه برؤية مغايرة في المنطلقات والتصورات والمفاهيم والمصطلحات،

ويُقدم نموذج ما يُضاهي به أفكار الآخرين. وستظل كتبه من الأسس التي تُعين على خلق الاختلاف، وتدعو إلى التجديد ومحاربة التبعية والتقليد.

ومن مظاهر التجديد التي يمكن الوقوف عندها:

(1)

وضعه لـ " فقه الفلسفة " وهو أمر لم يُسبَق إليه، فيما نعلم.

وشعورا منه بقوة إحساسه بالسبق فيما أتى به، وانتهى إليه؛ نجده يقول:

"إن من يدعي الإتيان بحقيقة من عنده داخل علم مقرر لا يَسلم من شديد الاعتراض؛ إن لم يُواجه بالقدح والمناهضة من لدن من غابت عنه آداب المناظرة، فما بالك بمن يدعي وضع أصول علم ادعاه" (19).

وهو يصف الحداثة الفلسفية بالجمود لأنها توجب الاندماج الكلي في العصر الفلسفي على مقتضى ما قرره الغير في التفلسف (20).

(2)

الاستقلال عن المناهج السائدة والإتيان بما يُضاهيها

من حيث الفعالية والإجرائية واصطناع ما يُقابلها، أو يُسعف على تعديلها إما بالحذف أو الإضافة.

وقد تأتى له ذلك بتحصيله لمعرفة كاملة بالمناهج القديمة والحديثة على السواء.

وهو يتهم المتفلسفة العرب في الوقوع في فلسفة منغلقة لأنهم يخوضون في نفس المشاكل الفكرية على نفس الأشكال المنهجية (21).

وهو يدعو إلى الاختلاف في زمن هيمنة القطبية الواحدة، ويدعو إلى الوقوف في وجه الفلسفة العالمية المفروضة، ومناهضة تلك الفلسفة المتسلطة على عقول متفلسفة العرب.

(3)

إنشاء نظرية تكاملية للتراث

في كتابه تجديد المنهج في تقويم التراث (ط1، 1994). خالف بها المتداول من أعمال تقويم التراث وواجه بها الانقلاب في القيم بين المشتغلين بالتراث الإسلامي، من أصحاب المناهج والمشاريع في قراءة ذلك التراث، وممن دعاهم بـ دعاة الانقطاع عن التراث.

وقال إنه نحا "في تقويم التراث منحى غير مسبوق ومألوف" (22). وأنه وسَّعَ مناهج النظر في التراث، وفتح آفاقا غير مرتادة.

(4)

وضع مشروع لفلسفة إسلامية انطلاقا من ثوابتها ومنهجيتها،

فلسفة تستقل برؤيتها وبمجالها التداولي، وتضاهي في بنائها المعرفي والمنهجي الفلسفة الغربية الحديثة. فلكل فلسفة قوميتها وسياقها التاريخي اللغوي الفكري.

(5)

وضع نظرية للترجمة تأصيلية، توصيلية، تعبيرية،

وحقيقتها:"لا يُنقل من النص الأصلي إلا ما يُناسب الأصول التداولية التي يأخذ بها المتلقي؛ موليا أبلغ عنايته لما جاء فيه من عناصر يتجلى فيها كمال التفلسف، ومتبعا طريق الاختصار في العبارة … " (23). ونبه في إطار هذه النظرية في الترجمة إلى الإشارية في القول الفلسفي، وأنه

يجمع بين العبارة والإشارة على وجوه مختلفة.

(6)

محاولة وضع نظرية أخلاقية تجعل الإسلام هو دين المستقبل.

فقد قدم صورة لمفكر صاحب رؤية حضارية مستقبلية، يرى من خلالها دور المسلمين في النهوض بالأخلاق، ويُحملهم مسؤولية تاريخية في أن يصبح الإسلام دين عالم المستقبل (24).

والباحث من المتفلسفين القلائل الذين بشروا بتحقق عالمية الإسلام، وبتحقق ما أسماه العقلانية الميثاقية، وربط العالم بأفق الألوهية. وغاية د. طه أن يعود الإسلام كما كان "قويا في حضوره، ومبدعا في عطائه" (25).

(7)

نقد مقومات حضارة الغرب الحديث،

بالكشف عن الأسس التي تقوم عليها، والأساطير التي تنبني عليها. في كتابه سؤال الأخلاق انتقد الحضارة الغربية ووجد أن حركيتها لا تنضبط بأخلاق؛ فهي حضارة ظالمة ناقصة متأزمة متسلطة، كما أن حداثتها نبذت الدين والأخلاق من منظومتها الفكرية. وعقلانية تلك الحضارة غيبت الأخلاق في العلم ولم تهضم حقيقة الغيب؛ فصارت المعارف بدون مقاصد. وبهذه العقلانية استنجد أهل الحداثة من المفكرين العرب، واتخذوها آلية للنهوض بواقعهم في عالمهم الإسلامي.

ولا أعرف باحثا تجرّأ فكريا على حضارة الغرب بهذه الصورة، راح يُفكِّك بناءها النظري و يُعيد تركيبه، و يتلاعب بمقولاتها كما يشاء بروح نقدية صارمة افتقدناها في عالمنا الإسلامي العربي. نظر في أسس تلك الحضارة فأقام عليها عمليات تحويلية، فوجدها مزيفة في كل ما تدعيه لنفسها، وسخِر ضمنيا من المنبهرين بذلك البناء النظري. وقد انتقد رواد التبعية لها ممن (يتعولمون) حول حداثة الغرب، ويمشون في ركابها، لا يتخلفون عنها قيد أنملة، وهم يتباهون بفهم مقولات أساطينها ولا يخفون جهلهم بحقيقة تلك المقولات. ( ... كالإمام طه: خسرو)

(8)

وَضْعُهُ لفلسفة الحوار،

فقد جعله الأصل في كل كلام، وجعله طريقا في بناء الإقناع والتعقل والاجتهاد. وجعل كل حوار يقوم على الاختلاف. وحدد في كتابه

الحق العربي في الاختلاف الفلسفي

خصائص الاختلاف وضوابطه. وجعله من أسس بناء الجماعة الإنسانية، عليه يقوم الميثاق بين شعوبها، وبه يتجدد الشعور بالمسؤولية بين الأقوام "يصرف عنها الخلاف والفرقة، ويضمن لها الوفاق والألفة والانسجام".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير