ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 10:48 ص]ـ
خامسا: مشروع جريء إلى أبعد الحدود
من تجليات هذه الجرأة:
(1)
نزع الهالة عن الفلسفة ووضعها على مشرحة الفقه الفلسفي،
فقد كشف الباحث في أعماله عن الأساطير التي حيكت حول الفلسفة وأخضعها للدرس شأن بقية الظواهر الطبيعية. يقول:"يتعين علينا أن ننظر في الفلسفة كما ينظر العالم في الظاهرة رصداً ووصفاً وشرحاً" (29).
وضع الباحث حداً لما ألصق بها من ادعاءات وأساطير خلال تاريخها الطويل العريض.
ولم يكتف بتحجيمها ورفع هالة الاغترار بها، بل اعترض على كَوْنِيَتَهَا والقول بعالَميتها ونبه إلى ما تناقلته الأقلام حولها من أوهام العظمة، وما تسرب من خلال تلك الأوهام إلى عقول الناس، وما بثته من تهويد في الفكر الغربي الحديث.
وذهب إلى أن المتفلسفة العرب المعاصرين لم ينتبهوا إلى وجود التهويد في الفلسفة الحديثة.
ودليله أن"ما يُنجز في البلاد العربية في الوقت الراهن ( ... ) يدور كله على نفس الاستشكالات والاستدلالات ونفس المسلمات والنظريات التي يتضمنها الفضاء الفلسفي العالمي المزعوم" (30).
وهو ينفي دعاوى كونية الفلسفة والقول بعالميتها إذ الفلسفة جزئية تتعلق بفئة من الفلاسفة في وسط ثقافي خاص، كما ترتبط بسياق تاريخي خاص.
(2)
رميه للمتفلسفة العرب بالعجز عن التفلسف ووضعه لأصول منهج على مقتضى ما تدعو حاجة الذات الإسلامية إليه.
فهم عاجزون عن التحرر من المناهج الغربية، وعن القدرة عن الإتيان بما يُقابلها. وهكذا نجده ينزع هذه القدرة عن متفلسفة العرب، قديمهم وحديثهم، ولا ينتهي من وصمهم بالتبعية لغيرهم والكشف عن فشلهم في التفلسف على مقتضى تراثهم وهويتهم وواقعهم. وهو بهذا يهدم كثيرا من المشاريع والمناهج والأسماء والصروح الوهمية.
ويكاد يكون مشروعه حربا على الفلسفة التي أقبرت الوجود العربي حين كبلته بتقاليدها؛ فتفسخ وجوده في وجودها. وتصور الفلسفة عندنا جثة هامدة، فاندفع، في تشريح جثتها، ليعلم أهل النظر أسباب موتها فينا، عسى أن ينهض الناهضون بعبء إحيائها؛ لتكون فلسفة لها أصول مركوزة في تاريخنا لا في تاريخ غيرنا (31).
وقال:
" ما زال المتفلسف العربي لا يجرؤ لحد الآن أن يُضيف إلى المفاهيم الفلسفية التي يصنعها غيره مفاهيم يصنعها من عنده " (32).
(3)
إنشاء فلسفة إسلامية تقوم على التخلق لا على التعقل كما ساد بذلك الاعتقاد؛
"ولا تفلسف بلا تخلق" كما يقول (33). وما يُميز الكائن البشري عنده إلا المقوم الأخلاقي. وما الأخلاق إلا الدين.
(4)
هدم لمناهج الترجمة في القديم والحديث،
وقد جعل الترجمة من أركان فقه فلسفته لاقترانها بالفلسفة؛ إذ "لا فلسفة معترف بها بيننا بغير ترجمة" (34). وهو يرى أن السبب الأول في موت الفلسفة عندنا هو الترجمة التي تتمسك إما بحرفية اللفظ أو حرفية المضمون. ومشروعه يدعونا أن نتصرف في المضمون كما نتصرف في اللفظ، وهو ما أسماه بالترجمة التأصيلية. وهي وسيلتنا في الخروج من التقليد الفلسفي.
(5)
ما يُمكن أن يُسفر عنه هذا المشروع من نتائج،
من مثل:
نسف المناهج الفلسفية المتبعة في الجامعات العربية،
ودعوة إلى إعادة النظر في مقرراتها وما تهتم به من قضايا.
إنشاء فلسفة عربية نابعة من الشروط العربية.
إعادة النظر في كثير من المفاهيم التي حصل حوله الإجماع: مفهوم الفلسفة، العقلانية، الحداثة، الرشدية، العولمة، نهاية التاريخ ...
ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 11:06 ص]ـ
سادسا: بأي شيء يختلف د. طه عن غيره من أهل الفكر؟
(1)
هَيَّأَ نفسَه علميّا وروحيّا لمواجهة المرحلة بما يصطخب فيها من إديولوجيات وإلحاد وانجذاب
نحو الكونية وانحراف للمنتسبين إلى الإسلام عن جادة الطريق والوقوع في التيه.
ومشروع د. طه وليد تجربة خاضها صاحبها باقتدار، وقلما أتيحت لغيره بنفس
الصفاء الذهني و الاستعداد الروحي
في مغربنا الحديث، إن لم أقل في عالمنا العربي.
فهو رجل تعايشت وتساوت في نفسه وعقله تجربتان:
تجربة معرفية عقلية و تجربته إيمانية روحية.
يقول عن هاتيْن التجربتيْن:
¥