ـ[ضيدان بن عبدالرحمن]ــــــــ[15 Oct 2010, 02:49 م]ـ
2 - الالتزام بوقت محدد في الكلام:
ينبغي أن يستقر في ذهن المُحاور ألا يستأثر بالكلام، ويستطيل في الحديث، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع.
يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل: (وليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة، بحيث ينصت
المعترض للمُستَدِلّ حتى يفرغ من تقريره للدليل، ثم المُستدِلُّ للمعترض حتى يُقرر اعتراضه، ولا يقطع أحد منها على الآخر كلامه وإن فهم مقصوده من بعضه).
وقال: (وبعض الناس يفعل هذا تنبيهاً للحاضرين على فطنته وذكائه وليس في ذلك فضيلة إذ المعاني بعضها مرتبط ببعض وبعضها دليل على بعض، وليس ذلك علم غيب، أو زجراً صادقاً، أو استخراج ضمير حتى يفتخر به) (9).
والطول والاعتدال في الحديث يختلف من ظرف إلى ظرف ومن حال إلى حال، فالندوات والمؤتمرات تُحدَّد فيها فرص الكلام من قبل رئيس الجلسة ومدير الندوة، فينبغي الإلتزام بذلك.
والندوات واللقاءات في المعسكرات والمنتزهات قد تقبل الإطالة أكثر من غيرها، لتهيؤ المستمعين. وقد يختلف ظرف المسجد عن الجامعة أو دور التعليم الأخرى.
ومن المفيد أن تعلم؛ أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة أحاديث الرجال يرجع إلى ما يلي:
1 - إعجاب المرء بنفسه.
2 - حبّ الشهرة والثناء.
3 - ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس.
4 - قِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم.
والذي يبدوا أن واحداً منها إذا استقر في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم،وصدودهم، مللهم، واستثقالهم لمحدِّثهم.
وأنت خبير بأن للسامع حدّاً من القدرة على التركيز والمتابعة إذا تجاوزها أصابه الملل، وانتابه الشُّرود الذّهني. ويذكر بعضهم أن هذا الحد لا يتجاوز خمس عشرة دقيقة.
ومن الخير للمتحدث أن يُنهي حديثه والناس متشوفة للمتابعة، مستمتعة بالفائدة. هذا خير له من أن تنتظر الناس انتهاءه وقفل حديثه، فالله المستعان.
يتبع ..
ـ[ضيدان بن عبدالرحمن]ــــــــ[15 Oct 2010, 02:49 م]ـ
3 - حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة:
كما يطلب الالتزام بوقت محدد في الكلام، وتجنب الاطالة قدر الإمكان، فيطلب حُسن الاستماع، واللباقة في الإصغاء، وعدم قطع حديث المُحاور. وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك، وقد قال الحسن بن علي لابنه، رضي الله عنهم أجمعين:
(يا بنيّ إذا جالست العلماء؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال –
حتى يُمسك).
ويقول ابن المقفع:
(تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام؛ ومن حسن الاستماع: إمهال
المتكلم حتى ينقضي حديثه. وقلة التلفت إلى الجواب. والإقبال بالوجه. والنظر إلى المتكلم. والوعي لما يقول).
لا بدّ في الحوار الجيِّد من سماع جيِّد؛ والحوار بلا حُسْن استماع هو (حوار طُرْشان) كما تقول العامة، كل من طرفيه منعزل عن الآخر.
إن السماع الجيِّد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء، وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه. حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب، واحترام الرجال وراحة النفوس، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج، كما يُشْعِرُ بجدّية المُحاور، وتقدير المُخالف، وأهمية الحوار.
ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى النتيجة.
يتبع ..
ـ[ضيدان بن عبدالرحمن]ــــــــ[15 Oct 2010, 02:51 م]ـ
4 - تقدير الخصم واحترامه:
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف، وإعطاء كل ذي حق حقه، والاعتراف بمنزلته ومقامه، فيخاطب بالعبارات اللائقة، والألقاب المستحقة، والأساليب المهذبة.
إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق، والبعد عن الهوى، والانتصار للنفس. أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم.
وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام، لا ينافي النصح، وتصحيح الأخطاء بأساليبه
الرفيعة وطرقه الوقورة. فالتقدير والاحترام غير المَلَقِ الرخيص، والنفاق المرذول، والمدح الكاذب، والإقرار على الباطل.
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية؛ طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشات التصرفات، والأشخاص، والشهادات، والمؤهلات والسير الذاتية.
يتبع ..
ـ[ضيدان بن عبدالرحمن]ــــــــ[15 Oct 2010, 02:52 م]ـ
5 - حصر المناظرات في مكان محدود:
يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور؛ قالوا: وذلك أجمع للفكر والفهم، وأقرب لصفاء الذهن، وأسلم لحسن القصد، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل.
ومما استدل به على ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى
وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ:46).
قالوا: لأن الأجواء الجماهيرية والمجتمعات المتكاثرة تُغطي الحق، وتُشوِّش الفكر، والجماهير في الغالب فئات غير مختصة؛ فهي أقرب إلى الغوغائية والتقليد الأعمى، فَيَلْتَبسُ الحق.
أما حينما يكون الحديث مثنى وفرادى وأعداداً متقاربة يكون أدعى إلى استجماع الفكر والرأي، كما أنه أقرب إلى أن يرجع المخطيء إلى الحق، ويتنازل عما هو فيه
من الباطل أو المشتبه.
بخلاف الحال أمام الناس؛ فقد يعزّ عليه التسليم والاعتراف بالخطأ أما مُؤيِّديه أو مُخالفيه.
يتبع ..
¥