تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلما رأيت الشيخ في كلامه قد احتد، وصرخ في كلامه واشتد، خشيت من تغير المزاج إلى أبعد من هذا الحد، فغيرت مسار الحديث والكلام، فسألته عن نشأته وطلبه للعلم ولقائه بالأعلام، فقال وبكل تواضع واحترام، وقد هدأت أمواج بحر الطمطام:

ولدت سنة ألف و ثلاث مائة وست وأربعين، ولازمت الشيخ السعدي قرابة ستة عشر من السنين، وحضرنا عليه دروسا كثيرة، واستفدنا منه فوائد وفيرة، وقيدنا عنه معلومات غزيرة،

ومن المشايخ العلماء المهتمين بالاجازات في عنيزة وهذا النادي، المحدث الشيخ علي بن ناصر بو وادي،

قلت: وقد استخف بي الطرب، هل أجاز الشيخ بو وادي أحداً من أهل عنيزة من أهل العلم والأدب، فأعدت الشيخ بطريقة غوثانية ذكية، إلى الإجازات والأسانيد العلية، ومافيها من فوائد ثرية،

فقال مبتسماً متفاعلاً مؤكداً تأكيداً: نعم لقد أجاز لعشرين شيخاً عالماً صنديداً

قلت ماشاء الله رب الأرض والسماء، وهل بقي أحد منهم من الأحياء،

قال: رحمهم الله كلهم قد طواه الثرى، ولم يبق أحد منهم ممن درس عليه أو قرا، ثم تابع الحديث بشغف واضح لديه، ومنهم والدي الذي أخذت العلم على يديه، ووالدي مجاز من الكثير، من علماء الفقه والتفسير، منهم ابراهيم بن عيسى المؤرخ الشهير

وأما الشيخ علي بو وادي المذكور فقد رحل للهند، وديار السند، ومجاز من صديق حسن خان القنوجي ملك بهوبال القوي، ومن نذير حسين المحدث الدهلوي

قلت وأنا أرتشف فنجان قهوتي مع التمر: من بقي من زملائك من الأحياء من ذوي العلم والقدر،

قال بقي منهم العلامة الذي كان عن دروس العلم لا يبطي: الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن حنطي، وهو درس على عبد العزيز المطوع، وكان جادا غير متهوع، وتولى قضاء الدرعية، لسنة واحدة قمرية، ثم اشتغل بتحفيظ وتعليم القرآن، في مساجد عنيزة للأطفال والصبيان

قلت شيخنا هل لكم مؤلفات منشورة،قال نعم كثيرة مشهورة، منها: روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وأطلعني على مجلد منه وقال هو موجود في مكتبة في الرياض فابحثوا عنه.

ثم قال القهوة والتميرة .... القهوة والتميرة

وههنا تعلمت مفردة جديدة، من لهجة أهل عنيزة العتيدة، مما قد لا أجده في كتاب ولا جريدة،

ثم تجول بنا جولة من الجولات في غرفة الكتب والمخطوطات، وهناك رأيت العجب العجاب، مما يدمي القلب ويزيد الارتياب، مخطوطات أصيلة قديمة وقد علاها الغبار والتراب، وفتح لنا الباب ولمسنا المخطوطات الحقيقة التي عمرها مئات السنين، والتي لو أنها في مكتبات أخرى فإنها تجد اهتماما وعناية لائقين، فقد زرت مكتبات عالمية وعلمت كيف يحافظون على التراث، ويحمونه من عاديات الزمن والأحداث، لدرجة أنني تذكرت قول ذلك الكاتب الذي نسيت اسمه وبقي في راسي رسمه: وقد تمنى أن تذهب مخطوطات العرب والمسلمين الى ديار جورج وسيكزتين،

تألم قلبي للإهمال الموجود في غرفة المخطوطات، فقد رأيتها متراكمة منثورة تكاد تتمزفق من الورقات، حيث يوجد 600 مخطوطة من نفائس التراث في المكتبات

وقد لفت نظري أنه منذ الصباح، لم نجد خلال طول زيارتنا زائرا واحدا للمكتبة غدا أو راح

والشيخ ـ حفظه الله ـ متألم جدا من إعراض الناس عن العلم والمكتبات، وعن نفض الغبار عن تلكم المخطوطات، وقال: إذا زارنا بعضهم فيزورنا لأجل هذه الجرائد والمجلات،

ثم سألته عن التصوير الفوتوغرافي واستأذنته هل ترون مذهب التحريم أم التيسير فإنني أرغب بتصوير شخصكم للاحترام والتوثيق والتقدير، فقال صور يا ابن الأكرمين، فأنا للصوير من المجيزين

وتعجبت من ذلك التعميم، فحسب علمي أن علماء نجد قلطبة يميلون للتحريم

ثم سألته: من زاركم هذه المكتبة من العلماء؟؟، قال كثيرون منهم الشيخ زهير الشاويش والشيخ الألباني وغيرهم من الألباء

والتحق بهذه الزيارة الميونة في هذا اليوم، أخونا الشاب الظريف، والنشيط الغطريف عبد الله التوم، وبصحبته الأستاذ تميم القاضي ولم يسمعا بما دار بيننا حول الإجازات، من تلك المعركة المدوية الكلمات، فقال الأخ عبد الله التوم بكل أدب وحشمة، نريد أن نسمع منكم حديث الرحمة، فصرخ في وجهه وامقاً وأعاد ماذكره سابقاً ...

فغمزت للتوم بعيني، ففهم علي بالحين

ووقبل نهاية الزيارة دعانا وبشدة على الغداء، فاعتذرنا وتعللنا ببعض الأشياء، وشكرنا على الزيارة في هذه الأيام، وأثنى على أدب أهل الشام، بل وعندما عرف أنني من الشام، قال أنا من محبي أهل الشام، فقد عقدت قراني قبل عدة أعوام، على مليحة القد والقوام، غزال من غزلان هؤلاء الشوام، ترد الروح، وتشفي القلب المجروح،

وتعيد الكهل إلى سن الشباب والباه، وترجع الشيخ إلى سني صباه

قلت إذن أنت صهرنا، وحبك واجب طول دهرنا،

وودعناه وانطلقنا، وإلى اللقاء في حلقة أخرى حول ما قد علقنا

وأدرك ابن الغوثاني أذان الظهروالرواح، فسكت الكلام المباح ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير