أتأمل الثرى، منه أتينا وإليه نذهب، أراه صلفًا حين يفتح فاهه ليبتلعنا، أراه حنونًا بعد أن ينصرف الناس ويضمنا.
أخي ...
غادرتني - فجأة - قبل أن تغادر الآخرين، أريد أن أطلعك على قصيدة جديدة لأستنير برأيك، أريد مشورتك في شأن عمل وشأن حياة، أهكذا تغادرني دون إنذار؟ ما فعلتها من قبل!
هل تتذكر يوم عملنا معًا في الجامعة، هل تتذكر كم كنا فخورين بالمرأة السعودية وهي تتقدم في صفوف كلية التربية طالبة ومعلمة، هل تتذكر يوم جمعتنا وزارة الإعلام، لقبوك - يومها - بـ “صديق الصحافيين”، ظلموك والله، كنت صديق الجميع لا الصحافيين وحدهم، لكن: صديق الضعيف قبل القوي، صديق الفقير قبل الغني. وأنت دائمًا كذلك. يا صديقي أجدني - ضعيفًا - فهل تقترب، أجدني -مكسورًا- فهل تعود؟!
هل تتذكر المواقف الطريفة التي عشناها، هل تتذكر المصور المبتدئ -في أول يوم له في وزارة الإعلام- الذي ذهب إلى الديوان الملكي ليغطي زيارة رئيس دولة عربية للمملكة، ومن وطأة رهبته، اكتفى بتصويرك - فقط - دون غيرك، تعجب رئيس الدولة، ابتسم الملك خالد - رحمه الله - وقال معالجًا الموقف: “عندنا يصورون وزير الإعلام أولًا”. هل تتذكر يوم ذهبت تودّع مسؤولًا بارزًا جدًا في المطار، وفاجأك مصورو التلفزيون بنسيان أفلام الكاميرا، فطلبت منهم أن يقفوا وراء كاميراتهم - وكأن شيئًا لم يكن - وأمرت مسؤول التلفزيون ببث فيلم قديم للتوديع، وفي اليوم التالي فاجأك - بكل ود - ابن المسؤول متصلًا: “التغطية جميلة، لكنني لم أسافر البارحة مع والدي”.
هل تتذكر - في إحدى المناسبات في مكة - يوم طلب الأهالي من الملك خالد تحويل فرع جامعة الملك عبدالعزيز في مكة إلى جامعة مستقلة (جامعة أم القرى)، وافق الملك، وطلب منك أن تعلن الموافقة، وقفت أمام وسائل الإعلام وقلت: “صدر المرسوم الملكي .... ”، لم يكن قد صدر المرسوم، هاتفك مسؤول الديوان مندهشًا: “لم يصدر مرسوم”، فقلت له: “كلمة الملك مرسوم”.
هل تتذكر الأيام العسيرة التي قاسيناها معًا، حادثة “جهيمان” الرديئة، العمل ليل نهار، كنت مهمومًا -على حق- وتقول في ذروة الإرهاق والغضب: هذا ليس اعتداء على المملكة، هذا اعتداء على الإسلام وعلى بيت الله الحرام. هل تتذكر مقولة الملك خالد التي رددتها كثيرًا: “إنه الحرم، كيف يقتلون فيه. إنه الحرم، كيف نقاتلهم فيه”. هل تتذكر اللحظة الفاصلة التي اتخذ فيها الملك خالد قراره التاريخي بتطهير الحرم، كنت صادقًا: لم يأخذ هذا القرار حقه من الإشادة والدرس.
أخي ...
عدت من الرياض إلى جدة، توجهت إلى المستشفى مباشرة، توقعتك مبتسمًا وغاضبًا: “ما صار شي، الدكاترة - الله يهديهم - كبروا المواضيع”. كانت المواضيع كبيرة.
ليتك انتظرتني قليلًا، أردت أن أسألك، في فمي أسئلة لا تنتهي، كلها سؤال واحد: كيف استطعت أن تكون أنت؟! إنني أنتظر، فأجبني كيف استطعت.
أبلغك سلام الأحبة والأقارب، أبلغك سلامي، أبلغك سلام هذه العين التي ترتجف، أبلغك سلام هذا القلم الذي يئن ويرتعش، ابلغك سلام الزهرة البيضاء التي نبتت بجوار مرقدك، أبلغك سلام العشب الأخضر، رأيت ثراك عشبًا أخضر وزهرة بيضاء، أبلغك سلام الغريب الذي قرأ في الصحف، أو سمع من قريب، خبر فراقك، فأطرق حزينًا، أبلغك سلام الحبيب الذي لم يصدق أنك غادرتنا، أبلغك سلام القريب الذي صبر واحتسب على تراتيل الدموع، أبلغك سلام الفقير الذي وجد الغيمة في يدك، أبلغك سلام الضعيف الذي نال الدفء في نظرتك، أبلغك سلام الذي لم يحضر معزيًا أو مواسيًا من هول الكدر والصدمة، أو لم يستطع.
أبلغك سلامي يا أخي، أعرف أنك تكترث، فهل تبتسم؟!
أخي د. محمد عبده يماني: يومًا ما سنلتقي. إلى اللقاء! ?
عبدالعزيز محيي الدين خوجة
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[12 Nov 2010, 08:34 م]ـ
رحم الله الدكتور محمد عبده يماني وغفر له، فقد مات ميتة يشتهيها عدوه - كما قال المتنبي -، وقد قرأتُ ما كتب هنا وفي بعض الصحف، فتذكرت تلك المرحلة التي كان فيها وزيراً للإعلام ومديراً لجامعة الملك عبدالعزيز وأنا صغير أشاهد بعض أخباره في التلفاز وأقرأ بعضها في الجرائد النادرة حينها، وأول ما أحببته عندما قرأت له رواية كبيرة الحجم وأنا بعد في المرحلة المتوسطة بعنوان (فتاة من حائل) فأعجبت به جداً، ثم قرأت له رواية (اليد السفلى) فكأنت أروع، ثم قرأت له رواية (مشرد بلا خطئية) فبكيت حين قرأتها كثيراً، وهي تتحدث عن أهلنا في فلسطين وتشردهم في الأرض. وفي الحق إنه قد أهمل أديباً روائياً مبدعاً، وأصبحت أخباره نادرةً بعد تركه لمناصبه وتفرغه للكتابة.
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وأرجو أن يقطف ثمار أعماله الصالحة عند الله وقد لقيه صائماً محتسباً في الدفاع عن القرآن وحفاظه.
ـ[محمد نصيف]ــــــــ[12 Nov 2010, 08:54 م]ـ
بل يغبطه عليها كل من يتمنى حسن الخاتمة، وقد عرفته وعرفني مذ كنت في الابتدائية أحفظ القرآن في المسجد المجاور لبيته -مسجد بقشان- وكانت له معي كلمات لطيفة وتشجيعات خفيفة على حفظ القرآن، وظلت المعرفة مستمرة بنفس الدرجة من اللطف والخفة فقد كنت أقابله بين الفينة والأخرى في المسجد نفسه، وأحياناً قليلة في بيته، رحمه الله رحمة واسعة، ورزقنا ومن نحب حسن الخاتمة.
¥