تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

• دافع الشيخ عن الخلل المتوقّع من تصريحات بعض كبار أعلام المسلمين في العصر الحديث، فدافع عن معجزات الأنبياء بوصف إنكارها طريقا معبّدا لإنكار كل ما له صلة بعالم الغيب الذي منه عقائد المسلمين، وما ركب ذلك إلا خوفا من استشراء هذا الداء العضال في أوساط الأمة، فإنه إن تمكّن منها سيأتي على الأخضر واليابس.

• دافع عن موقع الفقه في الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي عموما، خوفا من يأتي اليوم الذي لا ندري فيه كيف نعبد الله، وخوفا من أن يصبح الفقه ليس من الدين على قول بعض العلماء المعاصرين.

• دافع عن الحديث النبوي ضد أولئك الذين اختصروا الحديث الصحيح من الكتب المدونة بنسبة الواحد من مائة وخمسين حديثا، بناء على تفسير خاطئ لقول البخاري بأنه لم يصح عنده إلا أربعة آلاف حديث من ستمائة ألف حديث، فراموا تطبيق القاعدة على الأربعة آلاف حديث التي استخلصت من الستمائة ألف حديث. ونظرا لبطلان هذه الأفكار، بل ولحملها بذرة الفناء فيها، فقد أفل نجمها وقبرت إلى غير رجعة وعادت للسنة مكانتها في البيئة الإسلامية المعاصرة.

• دافع من منطلق معرفي عن وضع المرأة في الإسلام، وناقش ما يهيأ من قوانين وتصورات يراد فرضها على الأمة. فكشف بأسلوب رائع أصل الداء الذي حاولوا تسويقه في مجتمع النساء، وأرجع الداء كله إلى تقليد الغرب حتى في أوضاعه التي لا يحسد عليها، فأريد تحويل المرأة إلى سلعة تتداول وتتقاذفها الأجسام الآسنة ذات الروائح الكريهة أولئك الذين لخصوا وجود النساء في المتعة واللذة ففقدوا إنسانيتهم وأُسروا لشهواتهم.

• أرجع الخلل في الإعجاب بالغرب في السياسة إلى الخلل في التكوين الثقافي. فالمسألة السياسية ترجع أساسا إلى خلفية ثقافية يجب أن يبدأ الإصلاح منها. فالإصلاح الثقافي أصل الإصلاح السياسي، لهذا رتّب الشيخ الأولويات في بداية عهده بمدافعة العمل السياسي الأعوج الأعرج الذي يراد فرضه على البيئة العثمانية الجديدة، ولكن لما يئس من نجاح محاولات الإصلاح السياسي المباشر سواء بطريق الحوار والمطارحة الفكرية، تأكد أنّنا إنما لدغنا من جهة الثقافة والتكوين الدقيق في العلوم الإسلامية. ومن ثمّ مال إلى طريق الإصلاح العلمي بالتأليف والنصح المستمر للمسلمين وعلمائهم. وأكبر شاهد على ما ذهبنا إليه آخر كتبه تأليفا كتابه "موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين". فقد بيّن وبما لا مزيد عنه أن مشكلتنا ثقافية بالدرجة الأولى، ويجب تعهدها بالإصلاح والتنبيه والتيسير في كل الأوقات.

أقوال العلماء عنه

تكاد تتفق كلمة الباحثين المعاصرين على أنّ الشيخ مصطفى صبري نسيج وحده لا مثيل له بين بني عصره. فقد ظهرت ميوله إلى العلوم العقلية من كلام وفلسفة ومنطق وما شاكلها من معارف منذ الصغر، يؤكد ذلك قوله عن نفسه: "الاجتهاد في العلوم العقلية يلتئم مع فطرتي ومزاجي والتي لا يبتعد عنها علم أصول الدين" (9)، لهذا عرف بين أهل الاختصاص بسعة الاطلاع والقدرة الفائقة على المناظرة.

قال عنه محب الدين الخطيب "فحل الفحول الصائل الذي يعد فضله أكبر من فضل معاصريه" (10) لأنه دافع عن الإسلام في أيام كان فيها الانقضاض على الإسلام باسم الإسلام وبمباركة علمائه. وقال عنه الشيخ زاهد الكوثري "قرّة أعين المجاهدين"، وقد مدحه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قائلاً "إن كتابه موقف العقل هو كتاب القرن بلا منازع"، وقال الشيخ البوطي عن كتابه آنف الذكر "هو كتاب لا مثيل له".

جوانبه الأخلاقية

عانى شيخنا رحمه الله طوال حياته من الفقر الذي كان به فخره؛ فقد عاش فقيرا ومات على تلك الحال غير آبه بجمع حطام الدنيا. وأكبر شاهد على ما ذهبنا إليه اضطراره إلى بيع كتبه ليحصل على ثمن تذاكر سفر من الدرجة الثالثة بالباخرة له ولسائر أفراد أسرته، وذلك من الآستانة إلى الإسكندرية، وهذا رغم توليه منصب "شيخ الإسلام" لسنوات عديدة.

وكانت شجاعته مضرب الأمثال بين علماء عصره؛ فقد حارب الاتحاديين وعلماء الدين المتغربين، ولحقه من جراء ذلك أذى كبير من قبل المثقفين والساسة. وقد عمل طوال حياته على تغيير الوضع نحو الأفضل، وقد زاد نشاطه منذ أن أحس بالخطر المحدق بالدين الإسلامي في العالم الإسلامي، وبقي على ذلك المنهج غير متزعزع أو مستجيب لترغيب أو الترهيب.

غادرنا الشيخ مصطفى صبري رحمه الله إلى عالم الخلود من الأنبياء والشهداء والصالحين بمصر 7 رجب 1373هـ الموافق 2 من مارس 1954 م. رحم الله شيخنا وأجزل مثوبته، ونفعنا بتجربته وأفادنا من علمه، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.


الهوامش
(1) موقف العقل، 3/ 92، 4/ 386.
(2) المصدر السابق، 4/ 386.
(3) أنظر: موقف العقل، 1 - 68، 406.
(4) موقف العقل، 2/ 157.
(5) المصدر السابق، 2/ 323.
(6) المصدر السابق، 1/ 44.
(7) المصدر السابق، 1/ 44.
(8) المصدر نفسه، 1/ 66.
(9) المصدر السابق، 4/ 387.
(10) مقال محب الدين الخطيب، مجلة الفتح الإسلامي، العدد 194.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير