تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأن تنظر في كلام النحاة الذين ابتدؤو هذا العلم وشيدوا أركانه فستراهم يصرحون بالعلة التي من أجلها وضع النحو

قال ابن مالك

(وبعد فالنحو صلاح الألسنة * والنفس إن تعدم سناه في سنه)

وقال بعض القدامى

النحو يصلح من لسان الألكن * والمرء تعظمه إذا لم يلحن)

ولا يحضرني الآن كثير من تلك الأقاويل

وبالجملة كون النحو مصححا للكلام ومقيما للألسن كان أمر معروفا عند القدامى والمحدثين لم يخالف فيه أحد، وهم أهله وهم أعلم به، فقولك هذا ليس بشيء أمام أقوال الجبال

وأما المفصل فيكون برد أدلتك واحدا واحدا

أوّلاً: أنّ اللحن الذي يمكن أن يكون من أثر الاختلاط بالأعاجم لم يكن في إهمال الحركة الإعرابية الملائمة للموضع الإعرابي فحسب بل كان فيها وفي حركات البنية وفي الأصوات، وهذه ليست من النحو بالنظر إلى اهتمامه بالعلامة الإعرابية وبقضايا التركيب المتصلة بذلك، وذلك في كتبه المدرسيّة، وكذلك كان هناك لحن في ترتيب الكلمات داخل التركيب، وهذا لم يهتم به النحو إلاّ عرضاً، فالنحو لم يبحث في أبواب مستقلّة مسائل التقديم والتأخير والحذف والإضمار وغيرها.

تقول: النحو وضع لتصحيح الحركة الإعرابية فقط، فكان ماذا؟ وهل دل ذلك على أنه لم يوضع لتصحيح الكلام، غاية أمرك أن النحو لم يعن بتصحيح كل الكلام بل بشيء من أبوابه وهو أواخر الكلم، فغيره من علوم اللغة قد كفاه تصحيح الأخطاء الأخرى، وهو مع تلك العلوم جميعا قد تعاضدوا على تصحيح الخطأ ونفي اللحن وإقامة اللسان العربي

ثانيا: أن ما يدّعى من اللحن في تلك الروايات يلحظ فيه أمور:

1 - أنها ليست سوى لحن منسوب إلى أفراد بعينهم، ولا يشكل ظاهرة خطيرة على اللغة.

2 - إمكان تخريج كثير ممّا عد لحنا على مذهب من مذاهب العرب في كلامها، أو على ما تقتضية طبيعة التطور اللغوي.

3 - بروز الصنعة والتكلف بل والكذب في الروايات كما في قصّة الأعرابي وآية سورة التوبة

1 - لم يكن ظاهرة خطيرة في بداية الأمر ثم لما اختلط الأعاجم بالعرب شاع الخطأ وصار أمرا ظاهرا أوجب تصدي العلماء له

2 - ليس كل خطأ يمكن تخريجه ولعلي آتيك بأمثلة إن شاء الله

3 - وبروز الصنعة والتكلف في رواية أو روايتين لا يدل على أن الخطأ كان معدوما، وهذا بلا شك أمر باطل

يتبع ...

ـ[أبو حازم]ــــــــ[14 - 06 - 2008, 11:53 م]ـ

ثالثاً: أنّ النحو لم تحتج إليه العرب، ولم يؤثر في لغتها وهاهم الشعراء يعتصمون بقولة الفرزدق: علينا أن نقول وعليكم أن تتأوّلوا، بل إن النحو كان حاجة للأعاجم لتعلّم اللغة، وعلى ذلك أدلة مما ورد في أقوال بعض العلماء من مثل النحو صنعة الأعاجم، وقد مرّ أحد العلماء على جماعة من الموالي وهم يتباحثون في النحو فقال قولة مشهورة سارت بين العلماء، وهي: إنهم يتكلمون في كلامنا بكلامنا بما ليس من كلامنا، أو كما قال.

النحو لم يوضع للعرب الاقحاح الذين لم تلتبس السنتهم بالعجمى وإنما وضع لغيرهم ممن شاع في ألسنتهم الخطأ عربا كانوا أو عجما

رابعاً: أنّ الأعاجم جعلوا النحو وسيلة من وسائل تعلم اللغة وليس وسيلة للتغلب على اللحن، فتعلموا اللغة وبقي اللحن على ألسنتهم؛ إذ كان كثير منهم يرتضخون الأعجمية في كلامهم، وإن كانوا أحسنوا القراءة والكتابة والفهم للنصوص ومن ثم التفكير فيها والاستنتاج منها بما عدّ علامات باهرة في تاريخ ثقافتنا العربية والإسلامية.

دعوى عريضة لا يمكن إثباتها مع كثرة الأعاجم الذين اعتنقوا الإسلام، بل انا أجزم بكذبها، فلئن كانت طائفة من الأعاجم كانوا على ما ذكرت فكثير منهم قد اتقنوا اللغة وأتقنوا النحو وصاروا ائمة فيه، وما سيبويه منك ببعيد

فقد ذكروا أنه كان في مجلس بعض أصحاب الحديث فذكر حديثا كان في آخره (ليس فلانا) فقال سيبويه (ليس فلان) بالرفع فقال صاحب الحديث لحنت يا سيبويه، فغضب سيبويه وقال (لأتعلمن علما لا يلحنني بعده احد)

ثم عكف على حلق يونس النحوي حتى برع فيه.

فهذا مثال يهد حججك هدا

ـ[أبو حازم]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 11:24 ص]ـ

خامسا: أنّ النحو لم ينجح في منع العرب من أمرين حدثا تحت سمع النحو وبصره وهما: التخلّي عن الفصحى واصطفاء العامّية في لغة الخطاب بالتدريج، بل وصل الأمر إلى الشعر الذي نراه وقد تلبسته لغات عامية عبر عصور العربية من قديم إلى اليوم، ومعلوم أنّ هذا نجم في القرون التي بلغ النحو فيه الغاية من التمام والكمال، وهكذا يتغلب أحد مستويي الأداء على الآخر، ومعلوم أن هذا ليس بسبب الأعاجم ولا بسبب اللحن ..

وما ذنب النحو إذا تخلى عنه الناس، وهل إذا لم ينفع قوما دل ذلك على أنه غير نافع وغير مصلح للسان

ألا ترى إلى الشرك والبدع والخرافات كيف انتشرت في القرون الوسطى وما بعدها، أفيدل عندك ذلك على أن الإسلام غير نافع في تصحيح المعتقدات وتربية النفوس؟

ـ[أبو حازم]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 11:28 ص]ـ

سادسا: أنّ مكافحة اللحن في أواخر الكلمات أو في بنيتها أو في التراكيب لا يكون بالنحو ولا الصرف ولا بعلم من علوم اللغة الأخرى، وإنما تكون بالتمرين المستمر على الكلام بالفصحى وبقراءة نصوصها من قرآن وحديث وشعر ونثر، وهذا ظاهر في صنيع الشعراء والكتاب الذين كانوا في غاية الفصاحة والبلاغة دون كبير إلمام بالنحو أو غيره من علوم اللغة.

من ألم بكلام العرب نثره وشعره وأحاط بأكثره علما فلا شك أنه سيكسب ملكة تجعله لا يلحن في كلامه، ولكن لا يستطيع ذلك إلا النزر اليسير من الناس، والسواد الأعظم من طلاب اللغة لا يمكنهم إقامة ألسنتهم إلا بتعلم النحو والصرف

فمن كان يقول في كلامه (ضرب زيدٍ عمروٍ) كيف يمكنه أن يصحح خطأه إذا لم يعرف أن من حق الفاعل الرفع ومن حق المفعول النصب؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير