تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فصار هذه الحجة العقلية أساسا في الانتصار لسيبويه، وسيبويه من هذا الاحتجاج بريء، فلم يحتج سيبويه بشيء من هذا، ولا بأي شيء آخر غير الكلام الذي ذكرته سابقا، وهو أن هذه الأفعال ضعيفة لكونها بمثابة الأنفعال فلم يتصرف العرب بمعمولاتها بالتعريف والتنكير أو التقديم والتأخير، ومن قال: إن سيبويه احتج بغير ماذكرت فقد افترى عليه الكذب.

أكتفي اليوم بهذا وسأعود إن شاء الله لإكمال القصة وتبيين ما جاء في هذه المسألة من هذيان في صورة كلام أهل العلم.

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 04 - 2009, 11:44 ص]ـ

أعود فأقول:

هذا الاحتجاج الذي ذكره عبد القاهر لمذهب سيبويه مأخوذ على الراجح من أبي علي عن طريق شيخه أبي الحسين ابن أخت أبي علي، فقد ذكر هذا الاحتجاج ابن جني أيضا، فقال:

ومما يقبح تقديمه الاسم المميز، وإن كان الناصبه فعلاً متصرفاً، فلا نجيز: شحما تفقأت، ولا عرقا تصببت. فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل

أتهجر ليلى للفراق حبيها ... وما كان نفساً بالفراق يطيب

فنقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضاً:

وما كان نفسي بالفراق تطيب

فرواية برواية، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل في المعنى؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبب عرقي، وتفقأ شحمي، ثم نقل الفعل، فصار في اللفظ لي، فخرج الفاعل ... مميزاً، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ كان هو الفاعل في المعنى على الفعل.

فإن قلت: فقد تقدم الحال على العامل فيها، وإن كانت الحال هي صاحبة الحال في المعنى؛ نحو قولك: راكباً جئت، و " خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث ".

قيل: الفرق أن الحال لم تكن في الأصل هي الفاعلة؛ كما كان المميز كذلك؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبي؛ كما أن أصل طبت به نفسا طابت به نفسي، وإنما الحال مفعول فيها، كالظرف، ولم تكن قط فاعلة فنقل الفعل عنها. فأما كونها هي الفاعل في المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجاري مجرى الفاعل في المعنى وأنت تقدمه على كان فتقول: قائماً كان زيد، ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق) اهـ

ولأن هذا الاحتجاج العقلي لم يكن من سيبويه، نص ابن مالك على أنه من دفاع مؤيدي مذهبه فقال: وانتُصر لسيبويه بأن مميز هذا النوع فاعل في الأصل.

وقد رد ابن مالك احتجاجهم هذا بأنه لو صح ذلك في المحول عن الفاعل فلا يصح في المحول عن المفعول، وأطال في الرد بعدما ذكر الشواهد الشعرية على جواز تقديم التمييز على عامله المتصرف.

ولم أجد -بحسب اطلاعي المحدود- من ذكر هذه الشواهد قبل ابن مالك، وهذه هي شواهده التي سأعلق عليها شاهدا شاهدا:

وواردة كأنها عصب القطا ... تثير عجاجا بالسنابك أصهبا

رددت بمثل السيد نهد مقلص ... كميش إذا عطفاه ماء تحلبا

قلت الاحتجاج بهذا البيت لا يصح عند من يوجب دخول إذا على الفعل، لأن التمييز عنده بالفعل المحذوف الذي دل عليه المذكور، ولكن ابن مالك يجيز دخول إذا على المبتدأ، فالبيت يجوز الاستشهاد به على مذهبه، ومذهبه في إذا مختلف فيه، فلا يمكن اتخاذ البيت حجة قاطعة، وبمثل هذا يجاب عن البيت الآخر الذي ذكره ابن مالك:

ولست إذا ذرعا أضيق بضارع ... ولا يائس عند التعسر من يسر

وبقريب من هذا يجاب عن البيت الآخر:

أنفسا تطيب بنيل المنى ... وداعي المنون ينادي جهارا

فالاستفهام يطلب الفعل أكثر من الاسم، فلا يبعد أن يكون العامل في التمييز هنا أيضا فعلا محذوفا.

أما البيت الذي أنشده المازني واحتج به المبرد، وذكره ابن مالك أيضا:

وما كان نفسا بالفراق تطيب

فالقول فيه أن الرواية الصحيحة: وما كان نفسي بالفراق تطيب، وهذه الرواية أقوى من حيث المعنى المراد من البيت.

فلا يبقى إلا قول الشاعر:

ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا

والقول فيه أن القاعدة إذا كانت مطردة في كلام العرب فإنها لا تنخرم بشذوذ بيت أو بيتين، وإلا وجب أن يجيز ابن مالك نفسه تعريف التمييز، لأنه أورد بيتين جاء فيهما التمييز معرفا، الأول:

رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

والثاني:

على مَ ملئت الرعب والحرب لم تقد ... لظاها ولم تستعمل البيض والسمر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير