تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي الشجاعة في نصرة الدين بالنفس والمال، وقد كان للصديق، رضي الله عنه، منها النصيب الأوفر، فهو الذي جهر بالدعوة إلى الله، عز وجل، فآذته قريش، وضربه رجالها حتى ظن بنو تيم أنه هلك، فتوعدوا قريشا بالثأر، وحملوه إلى بيته، فكان أول كلامه: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، وبعث إلى أم جميل بنت الخطاب يسأل عنه، وقال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأمهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة.

فقال أبو بكر: "بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، (يعني: عتبة بن ربيعة)، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار". اهـ

ويوم اعتدى الأثيم المخذول: عقبة بن أبي معيط على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي لم يتصد له إلا الصديق رضي الله عنه، كما روى البخاري، رحمه الله، من طريق عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}.

ويوم الهجرة كان مجرد وجوده مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار: جهادا بالنفس، فوجوده مع المستهدف الأول: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مخاطرة أي مخاطرة، إلا على قول بعض السفهاء الذين قالوا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد اصطحبه معه في رحلة الهجرة خشية أن يشي به، وهو الذي كان يرسل ابنه ليستطلع أخبار قريش، ويرسل راعيه عامر بن فهيرة، رضي الله عنه، بغنمه، ليزيل أثر المسير، وكانت بنته تأتي لهما بالزاد في الغار، ومع ذلك لم يشفع ذلك له عند أولئك المعاتيه فاتهموه بالتآمر مع قريش على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقاتل الله التعصب الذي يذهب بالعقول بل يمحوها محوا!!!!.

ويوم بدر كان وجوده، أيضا، مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في العريش، مخاطرة بالنفس، إذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بوصفه رئيس الدولة الإسلامية، هو المستهدف الأول دائما، ومنطوق لسان من استهدفه من القرشيين كأبي بن خلف وابن قمئة وعبد الله بن شهاب الزهري: لا نجوت إن نجا، فمجرد البقاء بجوار المطلوب الأول عند قريش: تعريض للنفس للإتلاف، وما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليستبقي بجواره في تلك اللحظات الحاسمة من يشك في إيمانه وولائه أدنى شك، وما كان الله، عز وجل، ليختار لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تلك المشاهد الحاسمة من تاريخ الدعوة رفيقا جبانا خوارا.

وقد شهر الصديق، رضي الله عنه، سيفه يوم بدر، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثناه عن القتال صونا لمهجته، فقال عليه الصلاة والسلام: "متعنا بنفسك" لما دعا عبد الرحمن بن أبي بكر، رضي الله عنه، وكان يومئذ على الشرك، إلى البراز، كما روى ذلك الحاكم، رحمه الله، في "مستدركه" في مناقب "عبد الرحمن بن أبي بكر"، والبيهقي، رحمه الله، في "السنن الكبرى".

وقالها علي، رضي الله عنه، يوم خرج الصديق، رضي الله عنه، شاهرا سيفه، إلى وادي القصة: "إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: لم سيفك ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للاسلام نظام أبدا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير