إن الكون والإنسان خلقا فى ستة أيام عادية سنة 4004 ق. م وقال (ليل وداروين) أن عمر الكون يقدر بمئات الملايين من السنين والإنسان بالملايين وثبت أنهما على حق وأن الكنيسة مبطلة.
وقالت الكنيسة:
إن 1+1+1 = 1 وأثبتت بديهيات الرياضة أن مجموع ذلك = 3، (وتلك إشكالية تاريخية في لب النصرانية إلى يوم الناس هذا).
وقالت الكنيسة – تبعاً لأرسطو –:
إن الكون مكون من أربعة عناصر وقال العلم أن عناصره تزيد عن التسعين، (وهي تزيد اليوم عن المائة) وصدق العلم وكذبت الكنيسة.
وقالت الكنيسة:
إن التوارة والإنجيل والرسائل كتب موحاة من الله. وقال النقاد التاريخيون، (كـ: "اسبينوزا" اليهودي) إنها من صنع مؤلفين غير موضوعيين وظهر أنهم على صواب فيما قالوا.
وقالت الكنيسة:
إن الخبز والخمر فى العشاء الربانى يتحولان إلى دم وجسد المسيح حقيقة، وقال العلم والعقل والبديهة ذلك أبعد المحال.
وقالت الكنيسة:
إن الرهبانية وسيلة للطهر وفضيلة سامية وقالت علوم النفس والاجتماع إنها تصادم الطبيعة وتفضي بالجنس البشري إلى الهلاك المحقق.
وقالت الكنيسة:
إن المرض من الشياطين يمكن مداواته بإقامة القداس والتمسح بالصلبان. وقال الطب إن سبب المرض كائنات بالغة الدقة يمكن إفناؤها بالمستحضرات الكيماوية، وأخفقت الكنيسة في حين نجح العلم وأثبت جدواه.
وهكذا سلسلة طويلة محزنة فى مقدور الرجل العادي أن يستعرضها ليخرج بنتيجة حاسمة هى أن العلم دائماً على صواب وأن الدين على خطأ باستمرار.
لاسيما وأن الكنيسة قد علمته أنه ليس ثمة شيء يستحق أن يسمى ديناً إلا تعاليمها المقدسة وإزاء ذلك بدا من المنطقى جداً أن تتعالى أصوات الناقمين من العلماء وسواهم: ليتحرر العلم من قيود الدين ولتذهب تعاليم الدين إلى الجحيم.
العلم هو وحده الحق والحكم وهو مصدر النور كما أنه منبع الرفاهية أما الدين فجمود ورجعية وخرافات وأساطير.
وإذا عرضت مسألة فليخرس الدين ولينطلق العلم!
ليبحث العلماء ويستخرجوا قوانين الطبيعة وأسرار الكون فى الهواء الطلق بعيداً عن الدين!
الدين شيء والعلم شيء أخر لا علاقة بينها إلا التضاد. وإذا كان لابد من إخضاع أحدهما للأخر فليخضع الدين ولتطبق كل حقائق الدين كالوحي، والمعجزات والروح والخلود داخل المعامل والمختبرات وإلا فلتسقط إلى الأبد! ". اهـ
"العلمانية"، ص329_331.
وتلك لمحة من منهج المعتزلة قديما والعقلانيين العلمانيين حديثا، فما قرروا جديدا، وإنما نقلوا، أو سرقوا، تجربة أمة عانت من تسلط الكنيسة التي استعبدت الأبدان بأديان محرفة وهل يستوي دين التوحيد ودين الكنيسة؟!!.
وكان ذلك الانقلاب على الكنيسة بما تمثله من غاية دينية: غاية دخول الملكوت!!، انقلابا على الغاية نفسها، فمن إفراط في التأله إلى الباباوات حملة صكوك الغفران إلى عبثية لا غاية لها إلا تحصيل اللذة.
يقول صاحب رسالة "العلمانية" في معرض بيان إشكالية الفصل بين الدين والعلم بزعم تعارضهما:
"وهناك مشكلة أخرى هي في الواقع امتداد للمشكلة سالفة الذكر، (مشكلة الثنائية المتناقضة: الدين الكنسي العتيق والعلم التجريبي الحديث)، وهي "نفي الغائية التي تبناها العلميون" منهجيا كما سبق فقد مدوا نطاقها حتى ألف الناس أن يسمعوا منهم أن وجودهم على هذه الأرض لا غاية له ولا هدف بل قذف به سير التطور البطيء الطويل صدفة واتفاقاً. أو حسب رأي هيكل أن "الإنسان في ضوء الفلسفة العلمية لن يكون مركز الكون وغايته، بل حلقة في سلسلة الكائنات كما تتصل الديدان باللافقاريات أو الأسماك بالديدان، وليس امتياز الإنسان إلا حالة من التقدم الاستثنائي الذي امتازت به الفقريات على أنواع جنسها خلال التطور العام".
وقد عاد ذلك بأسوأ الأثر على الأخلاق والقيم الإنسانية التي ظل بنو الإنسان محتفظين بها منذ وجدوا على الأرض وخرجت في أوروبا أجيال آمنت بالعبثية والعدمية والفوضوية والوجودية وأضرابها من أشكال الفلسفات العابثة التائهة وعمت موجة غريبة طاغية من التبرم والضيق بالحياة ومحاولة الهروب من السير في جادتها وأصبح التخلص من التفكير في ذلك هو الغاية الكبرى لكثير من الناس.لا سيما ذوو الإحساس المرهف".
"العلمانية"، ص351.
فصار التلهي باللذات الجسدية العابرة: وسيلة التخلص من القلق الفكري الذي أنتجته تلك النظريات العبثية اللاغائية، التي حطت من قدر الإنسان وسوته بالبهائم، على طريقة:
جئت لا أعلم من أين؟ ولكني أتيت. ولقد أبصرت أمامي طريقا فمشيت.
فهو أثر من آثار الضياع في الأدب المعاصر الذي اقتبس من الفكر الغربي الحديث أسوأ ما فيه.
##########
وفي دين الإسلام كما تقدم: غاية محددة ورؤية مسددة، فالغاية معلومة والوسيلة مشروعة، والشرع قد جاء بتقرير مصالح الأرواح والأبدان المعتبرة، فطيب عيش في الأولى وحسن مآب في الآخرة.
فالحمد لله على نعمة الإسلام.
##########
والله أعلى وأعلم.