ولى الشباب حميدة أيامه ******* لو كان ذلك يشترى أو يرجع
وثالث ففال:
إن الشباب الذي مجد عواقبه ******* فيه نلذ ولا لذات للشيب.
الشيب:
غاز فاتح، ينكل الشباب أمامه:
والشيب ينهض في الشباب كأنه ******* ليل يصيح بجانبيه نهارُ.
و:
الشيب إن طرد الشباب بياضه ******* كالصبح أحدث للظلام أفولا.
فإذا جاء نور الشيب ولى سواد الشبيبة.
الشيب:
يزحف ببطء، زحف الصبح من تحت الظلام، فلا يشعر به الإنسان إلا وقد غزا مفرق الرأس فلا يجد بدا من التسليم!
والصبح من تحت الظلام كأنه ******* شيب بدا في لمة سوداء.
فضوء الفجر يتسلل إلى الأفق تسلل الشيب إلى الرأس.
ومن عالم الشهادة: لي ابن خالة حبيب، إلى القلب قريب، قد شارف الثلاثين، يصغرني بعام ويزيد، له في القلب مكانة، فهو، كما يقال عندنا في مصر: "عشرة عمر"، له رحم الإسلام الجامعة، ورحم القرابة الخاصة، ورحم الصحبة الأخص، وإن اختلفنا في أمور كثيرة، تصل إلى الشحناء بل إلى الخصام غير المعلن أحيانا، آلف الله بين القلوب وجمع على الطاعة النفوس، الشاهد أنه ممن غزا الشيب رأسه، ولما يتزوج، فصار من حوله يداعبه بأن يستدرك ما فات قبل فوات الأوان، لئلا يقع في الحرج، فيصير شيخا يصدق فيه قول القائل:
أبعد المشيب المنقضي في الذوائب ******* تحاول وصل الغانيات الكواعب؟!
الشيب:
استقبله أناس بالوقار فما عاد المقام: مقام هزل، وما عاد في العمر بقية، ولا في الجسد قوة، فانكسرت اللذات، وشاخت العزمات، واستنكر ذو الشيب ما سلف من الأيام الماضيات فقال المرار الأسدي:
أعَلاقةً أمَّ الوُليِّدِ بعدَما ******* أفنانُ رأسكَ كالثغامِ المخْلسِ
والثِّغامة شجرة تبيضُّ كأَنها الثلج، كما نقل صاحب اللسان، رحمه الله، عن ابن الأعرابي رحمه الله.
وما عاد الكميت يطرب، فزاد في نفي ذلك وأطنب:
طربت، وما شوقا إلى البيض أطرب ******* ولا لعبا مني، وذو الشيب يلعب؟!
وطرب ثالث فاستدرك:
طربت، وأنت أحيانا طروب ******* وكيف وقد تعلاك المشيب؟!
وطرب رابع فَوُبِخَ:
أطرباً وأنت قِنَّسرِيُّ ******* والدهرُ بالإنسان دَوّاريُّ؟!
والقنسري هو: الشيخ الكبير.
وعاتب خامس خليله فقال:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ******* فما لك بعد الشيب صبا متيما؟!
وعاتب سادس نفسه فقال:
ألا ارعواءَ لمن ولّتْ شبيبتُهُ ******* وآذنتْ بمشيبٍ بعدهُ هرمُ؟!
وسابع فقال:
أفؤادي متى المتاب ألما ******* تصح والشيب فوق رأسي ألما؟!.
وللنابغة من ذلك نصيب:
على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا ******* وقلتُ: ألمّا أصحُ والشيبُ وازعُ؟!
وفي المقابل: لم يسلم له ابن الرقيات فكابر، فما زال في الروح فتوة، وإن هرم الجسد وذهبت قوته، وتجعد الوجه وذهبت نضرته، فلامته الصبايا ولامهن:
بكر العواذل في الصبوح ******* يلمنني وألومهنه
ويقلن: شيب قد علاك ******* وقد كبرت، فقلت: إنه
وجرير لا يرى بأسا بالمرح وإن أخذت منه السنون ما أخذت:
أرى مر السنين أخذن مني ******* كما أخد السرار من الهلال.
فينكر على العاذلات:
تقول العاذلات علاك شيب ******* أهذا الشيب يمنعني مراحي؟!
وأنكره أبو أمية الحنفي:
زعمتني شيخا، ولست بشيخ ******* إنما الشيخ من يدب دبيبا
وفي قول العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب لأبي أمية: معتبر.
والشواب كما قيل عنهن:
هن صديق للذي لم يشب.
وقال آخر عنهن ولعله ممن لدغ منهن:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ******* خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ******* فليس له في ودهن نصيب
وشكا ثالث متظلما:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ******* فأعرضن عني بالخدود النواضر.
وأنشد أبو زيد:
عَجائِزاً يَطْلُبْنَ شيئاً ذاهبا ******* يَخْضِبْنَ بالحنَّاءِ شَيْباً شائِبا
يَقُلْنَ كُنَّا مَرَّةً شَبائِبا
وفي نشيده لشمطاوات زماننا، اللاتي أكل الزمان عليهن وشرب فما اتعظن وما ارعوين، وما أكثرهن، في نشيده لهن: مزجر.
والنمر بن تولب يتصابى فيقول:
دعاني الغواني عمهن وخلتني ******* لي اسم فلا أدعى به وهو أول.
¥