والمعنى: أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر، لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى، ففيه إعذار بعد إعذار، الأول بالنبي صلى الله عليه وسلم، والموتان: في الأربعين والستين. اهـ من كلام القرطبي رحمه الله.
ومع تاريخ الشيب يتسلى أصحابه، إذ لهم فيه سلف:
يقول ابن كثير رحمه الله:
وأول من شاب إبراهيم عليه السلام فلما رأى الشيب، قال: ما هذا؟ قال: وقار، قال: يا رب، زدني وقارًا. اهـ بتصرف.
ونعم السلف الخليل عليه السلام!.
وللشيب أوصاف تحمل المرء على إحسان ضيافته:
يقول القرطبي رحمه الله:
وأما الشيب فنور ويكره نتفه، ففي النسائي وأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة وكتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة).
قلت، (أي: القرطبي رحمه الله): وكما يكره نتفه كذلك يكره تغييره بالسواد، فأما تغييره بغير السواد فجائز، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق أبي قحافة - وقد جيء به ولحيته كالثغامة بياضا -: (غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد).
ولقد أحسن من قال:
يسود أعلاها ويبيض أصلها ******* ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل
وقال آخر:
يا خاضب الشيب بالحناء تستره ******* سل المليك له سترا من النار.
والدهر قلب له أحوال متغايرة ودورات متعاقبة:
شبابٌ وشَيبٌ، وافتقارٌ وثروةٌ ******* فللهِ هذا الدّهرُ كيفَ تردَّدا
وإلى صاحب الستين: هنيئا لك إن كنت محسنا فقد قرب الرحيل إلى الرب الكريم، عز وجل، وحذار إن كنت مسيئا فما عاد في الأيام فسحة، وتقدم العمر مظنة الثبات على الأمر الأول: خيرا كان أو شرا.
وإلى صاحب الأربعين: دقت أجراس الإنذار محذرة، وما زال في الجسد قوة فتدارك قبل فوات الأوان.
وإلى صاحب الثلاثين ومن تخطاها مثلي، عما قريب تصير كهلا، فبادر بتجهيز أوراق اعتمادك في سلك الاكتهال! (والكهل من بلغ: 34 كما ذكر بعض أهل العلم)، فأيام الشباب على وشك الانقضاء، وقد ولت زهرتها، ولم يبق فيها إلا مقدار البياض ساعة الغروب، فسرعان ما ينقضي بظلام الليل الداهم.
اللهم إنا نسألك الثبات على الإسلام والسنة حتى نلقاك عليهما، ونعوذ بك من الفتنة في الدين أو البدن، ونسألك العافية في الدين والدنيا، ونعوذ بك من مصيبة الدين فكل المصائب سواها هين، ونسألك لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.
ـ[ركام العمر]ــــــــ[07 - 05 - 2009, 10:24 م]ـ
متى نشيب؟؟
ـ[محمود سعيد أحمد]ــــــــ[13 - 05 - 2009, 05:13 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم على تلك الموعظة التي لو تدبرها الكبير لبكى أيامه الغابرة أو الصغير لنغصت عليه أيام القادمة.
حقاً ..
فما منك الشباب ولست منه = إذا سامتك لحيتك الخضابا
:; allh
ـ[أبو طارق]ــــــــ[13 - 05 - 2009, 05:38 م]ـ
يقول ابن نباته المصري
أرى شعرات الشيب تؤذن بالردى = وينذرني منها طلوع هلال
ويقول أبو العتاهية:
رَأَيتُ الشَيبَ يَعدوكا = بِأَنَّ المَوتَ يَنحوكا
ويقول:
يا خاضِبَ الشَيبِ بِالحِنّاءِ تَستُرهُ = سَلِ المَليكَ لَهُ سَتراً مِنَ النارِ
لَن يَرحَلَ الشَيبُ عَن دارٍ أَلَمَّ بِها = حَتّى يُرَحَّلَ عَنها صاحِبَ الدارِ
سلمت أستاذنا الفاضل
ـ[أريج]ــــــــ[16 - 05 - 2009, 08:32 م]ـ
بارك الله فيك
جزاك الله خيراً أخي الكريم على تلك الموعظة التي لو تدبرها الكبير لبكى أيامه الغابرة أو الصغير لنغصت عليه أيامه القادمة.
ـ[محمود سعيد أحمد]ــــــــ[01 - 06 - 2009, 12:57 ص]ـ
بارك الله فيك
وبوركت أختنا الكريمة أريج.
:; allh
ـ[بسمة الكويت]ــــــــ[06 - 06 - 2009, 10:19 م]ـ
موضوع جميل
بارك الله فيك
يقول ابن الرومي في وصف الشيب:
شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ وعجيبُ الزمان غَيْرُ عَجِيبِ
فاجعلي موضعَ التعجُّب من شَيْ بِيَ عُجباً بفَرْعك الغِرْبيبِ
قد يشيبُ الفتى وليس عجيباً أن يُرى النورُ في القضيب الرطيبِ
ساءها أنْ رأتْ حبيباً إليها ضاحكَ الرأسِ عن مفَارقَ شِيبِ
فدَعَتْهُ إلى الخُضاب وقالت إنَّ دفنَ المَعيبِ غيرُ معيبِ
خَضَبت رأسَهُ فبات بتَبْري حٍ وأضحى فظلَّ في تأنيبِ
ليس ينفكُّ من مَلامة زارٍ قائلٍ بعد نظرتَيْ مُستريبِ
ضلّةً ضلّةً لمن وعَظَتْهُ غِيَرُ الدهر وهْو غيرُ مُنيبِ
يدَّري غِرَّةَ الظباء مُريغاً صَيْدَ وحْشيِّها وصَيْدَ الرَّبيبِ
مُولَعاً موزَعاً بها الدهر يرْمي ها بسهم الخضاب غيرَ مصيبِ
عاجزٌ واهنُ القُوى يتعاطى صبغةَ اللَّه في قناع المشيبِ
رامَ إعجابَ كل بيضاءَ خود بسواد الخضاب ذي التعجيبِ
فتضاحكْنَ هازئاتٍiوماذا يُونِقُ البِيضَ من سوادٍ جَليبِ
ليس يجدي الخضابُ شيئاً من النف ع سوى أنه حِدادُ كئيبِ
فاتَّخذْهُ على الشباب حداداً وابكِ فيه بعَبْرة ونَحيبِ
وفتاةٍ رأت خضابي فقالت عَزَّ دَاءُ المشيب طِبَّ الطبيبِ
خاضبُ الشيب في بياض مُبينٍ حين يبدو وفي سوادٍ مريبِ