تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من الأسفار النافعة التي حض الشرع على إنشائها، في حين كان الغربي جزءا من الأرض التي يحرثها لا يستطيع الانتقال إلا بإذن مالكه، فتوقع عليه أقصى العقوبات التي تصل إلى حد القتل إن فر من هذا الرق المهين، وصور امتهان رقيق الأرض الأوروبيين، أشهر من أن تذكر، فهي واقع تاريخي لا ينكره الغرب، بل إنه كان أعظم أسباب انقلاب الشعوب الأوروبية على ثنائية الظلم: ثنائية الملك الجائر والقس الذي يبرر جوره باسم الدين فقدر الإنسان الملطخ بالخطيئة أن يسترقه إنسان مثله عقوبة على جرم لم يرتكبه!، فانتقلت أوروبا من عبودية مهينة إلى عبودية مهينة: من عبودية الكهنوت والحق الإلهي للإمبراطور إلى عبودية البرلمان والعقد الاجتماعي، فعبدت نفسها بعد أن كانت تعبد بعضها!.

الشاهد أن اللقاء العسكري بين الشرق المسلم والغرب النصراني في الحروب الصليبية، واللقاء الفكري على أرض الأندلس بين حضارة تعيش أزهى عصورها، وحضارة لا يجيد القراءة والكتابة من أفرادها إلا قلة استأثرت بوسائل المعرفة لتهيمن على عقول بقية الأفراد، كان سببا في يقظة أوروبا من سباتها، فقد رأى الأوروبي ما يحظى به المسلم من حقوق شرعية، فليست محض منة من الحاكم، ولم تلجئه الدولة المسلمة إلى الخروج في مظاهرات تراق فيها الدماء استخلاصا لحقوقه المسلوبة، فلم يحتج الإسلام في قرونه الذهبية إلى ثورة فرنسية تنادي بالحرية والإخاء والمساواة توصلا إلى هدم الأديان والأخلاق!، ورأى ما يمتاز به المسلم من علوم في مقابل جهل مطبق خيم على المجتمعات الأوروبية، فتعلم الأوروبي الذي يتبجح اليوم بمدنيته، تعلم من المسلم: أصول الحضارة الإنسانية، وأصول المدنية الحديثة، بل إن الحركات الإصلاحية الدينية كحركة مارتن لوثر، مع تعصبها وحقدها على الإسلام، لم تجد بدا من الاقتباس من نظم وتشريعات الإسلام، أقروا بذلك أو جحدوا.

ثم تقدمت أمة أوروبا كطفل وليد، وتأخرت أمة الإسلام كرجل قوي جرت عليه سنة الهرم الكونية، حتى بلغت أوروبا أشدها مع سقوط الحرس الكهنوتي القديم، وتحرر العقل الأوروبي من خرافاته، ولكنه لم يكن يملك من الإلهيات ما يعصمه، فلم يملك إلى يوم الناس هذا إلا الطبيعيات التجريبية التي شيد بها مدنية فرض بها هيمنته بقوة السلاح، فهي قوة بلا أخلاق، أو هي كما يقول شرطي العالم: حق القوة، لا قوة الحق، فالقوة في حد ذاتها حق يبيح لصاحبه انتهاك حقوق الآخرين كما شاهدنا في غزوات أمريكا المعاصرة.

وبعد القوة: الضعف: اطرادا للسنة الكونية الجارية: فقد استنفدت حضارة الغرب المادية أسباب قوتها، ففشلت في قيادة العالم إلى بر الأمان بمعزل عن الوحي.

وبعد الضعف: القوة: فقد عاد الإسلام الحقيقي، إلى القيادة رويدا رويدا، وفرض نفسه على كثير من عقلاء الغرب حلا وحيد لأزماتهم الروحية، بل والمادية، كما حدث في الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أبانت عن تميز النظام المالي الإسلامي غير الربوي.

والسنة الكونية تسير وفق قضاء الله، عز وجل، الكوني النافذ، ولا يعجل الله لعجلة أحد، كما أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه.

ومن تاريخ المسلمين الزاهر، ومن دولة الفاروق تحديدا، عدة مشاهد تزيل انبهار المسلم المضطهد بجمهورية ساركوزي العلمانية:

فكان، رضي الله عنه، يسأل رعيته: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ووضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فبكى عمر

وسأل حذيفة رضي الله عنه: أنشدتك الله كيف تراني؟ قال: ما علمت إلا خيرا. فنشده الله، فقال: إن أخذت مال الله فقسمته في ذات الله فأنت أنت، وإلا فلا. فقال: والله إن الله ليعلم ما آخذ إلا حصتي، ولا آكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي.

فهذه منزلة الرعية عنده، فهي الرقيب على أفعاله: بسلطان الشرع المعصوم، لا بسلطان البرلمان الذي تحكمه أهواء جماعات الضغط فهو في أمر مريج من تفاوت عقول وأمزجة أعضائه، فما استحسنه زيد استقبحه عمرو، ولا حاكم يفصل النزاع بينهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير