وقال أبو هريرة: يرحم الله ابن حنتمة!، (أم عمر رضي الله عنه) لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكة زيت في يده وإنه ليتعقب هو وأسلم، فلما رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً، فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال لهم: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد، وأخرجوا لنا جلد الميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورمة العظام مسحوقة كانوا يستفونها، فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر فما زال يطبخ حتى أشبعهم، ثم أرسل أسلم إلى المدينة فجاءنا بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجنانة ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك
ولم يكن ذلك دعاية انتخابية بل حقا لرعيته كفله الشارع، عز وجل، لها.
وكان يحذر قادته أن يغرروا بجنودهم في سبيل الغنائم ويقول: "إن رجلا من المسلمين أحب إلي من مائة ألف دينار".
ومنع القادة أن يغزوا بجند الإسلام البحر شفقة عليهم من أهواله.
ونهى عمرو بن العاص، رضي الله عنه، عن التوغل غربا بعد حدود مصر حفظا لمهج جند الإسلام، فقال: "إنها ليست بإفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت".
ولك أن تقارن حرص عمر، رضي الله عنه، على رعيته بحرص ساسة عصرنا على أرواح شعوبهم، ولنا في الحروب التي خاضتها القيادة الملهمة في مصر في: 56، وحرب اليمن، و 67 خير شاهد على ذلك!.
وكان يتوخى في ولاته الرفق بالرعية:
روى البخاري في الأدب المفرد: أن عمر استعمل رجلا من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم عليه، فأتي عمر ببعض ولده فقبله، فقال الرجل الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبلت ولدا لي قط. فقال عمر: "فأنت والله بأولاد الناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملا أبدا"، فرد عهده.
وخطب الناس مرة بموسم الحج في حضرة ولاته فقال: "يا أيها الناس إني والله ما أرسل إليكم عمالا ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنك لتقصه منه؟. قال: إي والذي نفس عمر بيده إذا لأقصنه منه وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم". اهـ
ولك أن تقارن ذلك بالقيادات التي يستعملها حكام الأنظمة الشمولية المعاصرة في قمع وإرهاب الشعوب!
وكانت علاقته بولاته من طراز فريد: يختلط فيها الحب والمودة، بالشدة والرهبة.
فعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، رضي الله عنهما، يلقيانه في "الجابية" فيقبلا ركبتيه ويضم عمر كل واحد منهما محتضنهما، فهو الخليفة، وهو الأب حقيقة لا رسما زائفا.
ويلقاه الأمين أبو عبيدة فيهم بتقبيل يده فيبادره عمر ليقبل رجله، فيكف كل منهما ليكف الآخر!
ومثل أبي عبيدة، رضي الله عنه، يستحق أن تقبل قدمه، ومثل عمر، رضي الله عنه، يستحق أن تقبل يده، ولعل كثيرا من ساسة العصر يستحقون قطع الأيدي والأرجل من خلاف لا تقبيلها!.
ورق لشيخ يهودي ضرير! ضعف عن أداء الجزية فرفعها عنه وعن ضربائه.
فهو مسئول أمام الباري، عز وجل، عما استرعاه، وذلك اليهودي، مع كفره من جملة رعيته، فله من حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب اليوم ما يحمل رأس الدولة بنفسه على البت في أمره.
وقصة المصري الذي ضربه ابن عمرو بن العاص أشهر من أن تذكر، وقد صارت مقالة عمر رضي الله عنه: "مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! " مضرب المثل في الحرية التي عرفتها أوروبا بعد عمر، رضي الله عنه، بمئات السنين، فاتتزعتها انتزاعا من بين أنياب الباباوات والأباطرة.
وكان للبهائم العجماوات من عدل عمر نصيب فهو القائل: "لو أن بغلة في العراق تعثَّرت لخفت أن أسأل عنها لِمَ لَمْ أسوِّ لها الطريق". اهـ
وكان عمر يهنأ إبل الصدقة بنفسه، أي يطليها بالقار، كما في واقعة وفود الأحنف بن قيس، رحمه الله، عليه.
¥