وتحتوي تامبا على منطقة جذب سياحية- تعد الثانية في فلوريدا بعد مدينة "الديزني لاند" الواقعة في أورلاندو- يطلق عليها "بوش غاردنز"؛ مدينة سياحية ثرية متعددة المشارب، فيها من الإبداع والجمال ما فيها، فالناظر إليها من سماء عالية يرى لوحة فنية تجسد جمال الطبيعة وروحها. عدا عن أنها مدينة حاكت الماضي والحاضر وألفت بينهما بطريقة عجيبة. سأتخطى الحديث عن ألعابها وجسورها ومائها وخضرتها التي ضربت جذور مساحاتها الواسعة وأنتقل للحديث عن حيواناتها. فالمتجول في أرجاء المدينة سيدرك أن عالم الحيوان فيها له النصيب الأكبر، عالم متنوع جمع من صنوف الحيوانات أفرسها وأغربها وأضخمها وأعجبها، منها ما رأت عيني من قبل ومنها ما لم تر.
أمضيت ساعات وأنا أتنقل بين الحيوانات أتأملها بإعجاب، فعالم الحيوان- لا أخفي عليكم- من العوالم التي تستهويني رغم خوفي الشديد حتى من أضعف مخلوقاته. وكنت كلما مررت بأحد الحيوانات تسري في نفسي اختلاجة ابتهاج، فكم هو عظيم أن يقف الإنسان وجهًا لوجه مع الحيوانات المفترسة يبادلها النظرات التي لا يستطيع لها تفسيرًا، بل والأعظم ذلك المونولوج الدائر في نفس كل من الإنسان والحيوان المفترس ساعة اللقاء. راعني منظر الأسود والنمور والفيلة .. إلخ وهي تستمع إلى المعزوفات الموسيقية، فتسعد مع حلوها وتحزن مع مرها وكأنها تفهم لغتها، وعجبت حقيقة كيف روضت الموسيقى تلك الحيوانات المفترسة فجعلتها تحس وتعي وتخرج عن طبيعتها! أين ذهبت؟؟:)
نعود .. تابعت المسير حتى وصلت منهكة القوى حيث التماسيح، وهنا كان ما كان. وأقسم أن للأماكن بصمات تنبئك بطبيعة المغامرات التي ستحدث لك فيها. هالني مرأى التماسيح في الماء، حجمها يفوق الواقع، وحركتها تدب الرعب في قلوب الناظرين. لم يكن يفصل بيننا وبينها سوى شبك لا يتعدى ارتفاعه منتصف أجسامنا. وكان من بين التماسيح واحد قد اعتلى صخرة جعلته قريبًا جدًا من العامة. راقبنا أنفاسه وحركاته لبعض الوقت فشككنا في أمره. فقلت مسمعة من حولي: أتراه حيًا؟ فأجمع الكل على أنه "تمساح محنط" للعرض ليس إلا، ولو لم يكن لما تركوه قريبًا من الزائرين هكذا. ولا أدري كيف اطمأنت نفسي لكلماتهم؟! ربما ظننت لوهلة أنهم أتوا هنا من قبل وشاهدوا التمساح مرات ومرات. وعلى ضوء حديثهم ومضت في ذهني فكرة جهنمية بأن أمد يدي وألمس التمساح لأسجل على جدار الزمن أنني فعلتها. رأيتها فرصة ذهبية، فالتمساح ليس على قيد الحياة، وماذا سيحدث لي إن فعلت؟ اشتعلت الفكرة في رأسي، وأعمى الفضول كل وعي عندي. فقررت أن أجعل من الحلم حقيقة، مددت يدي بخوف يشوبه حب المغامرة، وأول ما وقعت يدي عليه أنيابه. لمستها متصنعة القوة، فلست من النوع الشجاع أبدًا حتى وإن كان الحيوان محنطًا. وما هي إلا لحظات وإذا بفايروسي الفضولي ينتقل لبعض الواقفين فتلمسوا أنياب التمساح مسرورين. وازداد معدل الفضول لدي، ودون وعي مني ولا إدراك حركت يدي باتجاه رأس التمساح لأكمل التجربة، وكما فعلت فعل الجميع، وما أن حركوا أيديهم باتجاه رأسه حتى فغر فاه بكل ما أوتي من قوة. تجمد الدم في عروقي، ودب الرعب في نفسي، وأخذ بدني يرتعد، ولم أعي إلا صراخًا وعويلًا من هول الصدمة، تعالت الأصوات واشتدت لدرجة أنه خيل إلي أن عظام جسمي قد صوتت هي الأخرى. تجمهر الزائرون حولنا ليستطلعوا الخبر، وجاء المسؤولون، وطلبوا لنا طبيب الحدائق ليطمئن علينا. واعتنوا بنا عناية ما بعدها عناية.
يا الله!! كاد الفضول أن يودي بحياتي، فحمدًا لله على سلامتي:).
الجميل أنني وقبل مغادرة تامبا زرت "بوش جاردنز" مرة أخرى، فذهلت من اهتمامهم الكبير؛ استبدلوا السياج الفاصل بزجاج عازل يمتد من الأرض إلى عنان السماء. فقد تنبهوا بعد الحادث إلى خطورة المكان، وأن السياج المستخدم لم يكن يؤمن حماية كافية للزائرين "الفضوليين على وجه التحديد" .. أحمد الله جل وعلا أن كنت من بين المتسببين بوضع هذا الحاجز الآمن، فهذه بصمة خير سيطال نفعها كل من يزور المنطقة. وأحمد الله ثانية أن منّ عليّ وسجلت على جدار الزمن أنني لمست تمساحًا حيًا بغض النظر عن الظروف التي أحاطت بالتجربة.
ودمتم
.
.
ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[30 - 03 - 2009, 09:05 م]ـ
قصة رائعة تيما
مليئة بالمغامرة والتشويق، حمداً لله على سلامتك عزيزتي
المهم كان لك الفضل في رفع السور وتحصينه أكثر
ماأشد همتهم!
رفعوا السور بسرعة خوفاً على الناس
بارك الله فيك عزيزتي
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[30 - 03 - 2009, 09:43 م]ـ
رحلة إلى انطاليا في تركيا
جميلة هذه المدينة، فقد قرأت عنها الكثير ...
ولقد ذكرتني أياما مضت كنت ألوك فيها بعض التركية بشيء من الغبطة، وأمر خفيفا على الرونق التركي .. كنت أرتب لرحلة العمر أيضا ولم يحالفني الوقت ..
والآن زاد الشوق والترقب ..
بالمناسبة تجربتك ماتعة ومثيرة حقا، لا سيما وإنها تجربة طفولية فيها التقاط لتفاصيل ستظل محفورة في حناياك .. فهنيئا لك .. والعقبى لنا:)
¥