تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شرها ......... إلخ، وإنما كانت منه، رحمه الله، صيانة للنفس، ولو بالتخفي حال مباشرة شهوة مباحة، لا ضير في الاستعلان بها في البيوت والأماكن المعدة لها من المطاعم والولائم ..... إلخ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد كان، يقبل الدعوة ويحضر الولائم والأعراس، ويأكل بحضرة أصحابه، رضي الله عنهم، ولم ينتقص ذلك من حشمته مروءته شيئا، فهو، صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم الناس نصيبا من تلك السجايا الكريمات، مصداق قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وفي حديث جابر، رضي الله عنه، مرفوعا: (طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ)، وذلك نص في استحباب الاجتماع على الطعام استجلابا للبركة، وليس في المسألة نص يوجب هذا أو ذاك، فلكل طباعه، وقد يحسن في حق زيد ما لا يحسن في حق عمرو، ولكن تبقى السنة، كما تقدم، حاكمة على أفعال مالك، رحمه الله، ومن هو أعظم منه، فهي الميزان الذي يزن به المسلم أقواله وأفعاله.

وتعظيم مالك، رحمه الله، للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنته أشهر من أن يذكر، وحسبك برجل كان يستحي ركوب دابة تعلو أرضا تشرفت بمواراة جسد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشريف ثراها.

وحسبك برجل كان يغتسل ويتبخر لمجلس التحديث بسنة المصطفى صلى الله عليه وعلى آلله وسلم دون غيره من المجالس.

ومالك، رحمه الله، هو: مالك!، ذلك: الطود الشامخ، المهاب الجانب، الذي هابه الخلفاء ووقف ببابه الأمراء، والكلام على هيبة مالك وحشمته، مما لا تتسع له هذه العجالة فهو مما يستحق الإفراد بالذكر والبيان.

وما تقدم، بطبيعة الحال، من تلك المعاني الراقيات، لا يكون إلا في شرعة الإسلام التي أصلت تلك القواعد المحكمات التي توزن بها الأقوال والأفعال صحة وفسادا.

ولذلك فإن كل تلك النعم إن لم تتوج بنعمة الوحي المنزل، صارت قليلة النفع، إن لم تعدمه في كثير من الأحيان، كما نرى من أحوال من أعرض عن دين الفطرة، ففسد تصوره العلمي، فتفرع عنه فساد في الأعمال والأخلاق والعبادات والمعاملات والسياسات ............... إلخ، وأوسع ميادين ذلك الفساد: الفساد الأخلاقي الذي يصل بكثير من البشر في عالم اليوم إلى مرتبة أدنى من مرتبة تلك القطة، وشوارع وحدائق كثير من مدن أوروبا وأمريكا، خير شاهد على ذلك، فقد أصبح كثير منها أشبه ما يكون بـ: "جبلاية القرود"، كما يقال عندنا في مصر، فآدمية روادها منتقصة، بل في كثير من الأحيان شبه منعدمة.

فهرم النعم الربانية على النوع الإنساني متدرج من: الوجود الذي يشاركه فيه الحجر والشجر والحيوان البهيم، إلى نعمة الحياة التي يشاركه فيها الحيوان والنبات، إلى نعمة الحياة الحساسة المتحركة التي يشاركه فيها الحيوان، إلى نعمة الآدمية التي يتميز بها ظاهره عن ظاهر الحيوان، إلى نعمة العقل التي يتميز بها باطنه عن باطن الحيوان، إلى نعمة الأخلاق الإنسانية التي يتبارى البشر في التحلي بها، إن لم تفسد فطرتهم الأولى بفساد التصور الإلهي وما يتفرع عنه من السلوك الإنساني، إلى نعمة الوحي، أعظم نعم الباري، عز وجل، على عباده، فهي مادة حياة الأرواح والأبدان.

والشرق المسلم أعظم البلاد نصيبا من تلك النعمة الجليلة، وإن أقفرت أرضه من المخترعات الحديثة، التي استأثرت بها مدنية أوروبا المعاصرة، التي تملك الصواريخ، ولا تملك الأخلاق التي توجهها، فهي تسقط في كثير من الأحيان على رءوس الأبرياء لانعدام أجهزة التوجيه الأخلاقي لمطلقيها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير