تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولدينا رسالة لسان مقال أحد رجالاتها الأول: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، فقد كفينا ذلك الأمر بوحي معصوم، فلا نفتقر إلى ما تفتقر إليه بقية الأمم من تعديل مستمر لدساتيرها حذفا وإضافة، على طريقة الهجين الفكري غير المتجانس، بتطعيم القوانين بنخالات الأفكار ونحاتات الأذهان، فقبس من عقل زيد، وآخر من عقل عمرو، وثالث من عقل بكر لينتج ذلك كوكتيلا من الشرائع إن صح التعبير!.

وكل من أحس في نفسه نقصا أو حاجة إلى غير الوحي المنزل، فإنما أتي من قبل جهله، فالعيب والنقص في عقله لا في الوحي.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "اقتضاء الصراط المستقيم":

"الشرائع أغذية القلوب، فمتى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث.

وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها، وعقوبات على الجرائم لا تجوز؛ لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعوه حيث يسوغ وضعه، طالبين بذلك إقامة دين الله، لا رياسة نفوسهم، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله - لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة، ولا إلى العقوبات الجائرة، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين، كما كان الخلفاء الراشدون، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من أمراء بعض الأقاليم.

وكذلك العلماء: إذا أقاموا كتاب الله وفقهوا ما فيه من البينات التي هي حجج الله، وما فيه من الهدى، الذي هو العلم النافع والعمل الصالح، وأقاموا حكمة الله التي بعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم - وهي سنته - لوجدوا فيها من أنواع العلوم النافعة ما يحيط بعلم عامة الناس، ولميزوا حينئذ بين المحق والمبطل من جميع الخلق، بوصف الشهادة التي جعلها الله لهذه الأمة، حيث يقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ولاستغنوا بذلك عما ابتدعه المبتدعون، من الحجج الفاسدة، التي يزعم الكلاميون أنهم ينصرون بها أصل الدين، ومن الرأي الفاسد الذي يزعم القياسيون أنهم يتمون به فروع الدين، وما كان من الحجج صحيحا ومن الرأي سديدا، فذلك له أصل في كتاب الله وسنة رسوله، فهمه من فهمه، وحرمه من حرمه.

وكذلك العباد: إذا تعبدوا بما شرع من الأقوال والأعمال ظاهرا وباطنا، وذاقوا طعم الكلم الطيب، والعمل الصالح الذي بعث الله به رسوله، وجدوا في ذلك من الأحوال الزكية، والمقامات العلية، والنتائج العظيمة، ما يغنيهم عما قد يحدث في نوعه: كالتغيير ونحوه، من السماعات المبتدعة، الصارفة عن سماع القرآن، وأنواع من الأذكار والأوراد، لفّقها بعض الناس. أو في قدره: كزيادات من التعبدات، أحدثها من أحدثها لنقص تمسكه بالمشروع منها، وإن كان كثير من العلماء والعباد، بل والأمراء معذورا فيما أحدثه لنوع اجتهاد". اهـ

فلا عذر لأمير أو عالم أو عابد، فالشريعة المحكمة قد تناولت أحوالهم، فهي للخاص والعام، للرئيس والمرءوس، للغني والفقير، لكل أجناس وأعيان الأفعال وفاعليها.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير