تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتعلو أصواتنا بالاستنكار دون التفات إلى تقصيرنا الذي نجح العدو في استغلاله، فهي فرصة سنحت له لا أكثر: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

والغريب أن الخطر يأتي دائما من الجهتين: الرومية الغربية، والفارسية الشرقية، فقد سارع الفرس في النموذج الموريتاني أيضا إلى مد الجسور مع المجلس العسكري الحالي الذي يعاني من عزلة دولية بعد انقلاب 6 أغسطس الماضي، والغريق يتعلق بأي قشة، وقد كانت القشة هذه المرة فارسية حملها وزير خارجية الدولة الفارسية في زيارته الأخيرة لنواكشوط، وأهل السنة كعادتهم: في موقع المتفرج على ذلك الصراع المحتدم بين قوى الشرق والغرب لغزو مجتمعاتهم واستقطاب قياداتهم، ولا دور فعال لهم في لعبة الموازنات الإقليمية بلغة أهل السياسة المعاصرين.

وقد خسر العرب في الأزمة المالية الحالية نحو 400 مليار دولار في بنوك الغرب زكاة عام واحد منها: 10 مليارات دولار، وهي كفيلة بحل مشاكل جزر القمر وجزر السماء!، فكيف لو كانت تلك الأموال تستثمر في الدول الإسلامية بدلا من إيداعها في بنوك الغرب دعما لاقتصادهم؟!، وليت أثرياء العرب والمسلمين ينزلون أبناء تلك الأصقاع النائية منزلة: المؤلفة قلوبهم، لئلا يتعرضوا لخطر الردة من أجل لقمة أو جرعة دواء أو فرصة عمل.

ويوم استقطعت تيمور الشرقية من جسد إندونيسيا المسلمة في أقصى الشرق في عام 99، بعد استفتاء سريع أشرفت عليه الأمم المتحدة التي تسارع دوما إلى كل ما يحدث النكاية في أمة الإسلام، شبهها أحد الفضلاء عندنا، مع الفارق طبعا، بالأندلس، التي استقطعت من جسد الأمة المسلمة في أقصى الغرب، وقل مثل ذلك في البوسنة: الشقيقة الصغرى للأندلس، لا سيما في التنكيل بالموحدين لأنهم اختاروا الاستقلال واستماتوا في الدفاع عن هويتهم الإسلامية.

وعندما يكون الاستقلال عن دولة مسلمة ترحب القوى العظمى بذلك، تصريحا أو سكوتا في موضع البيان، رضا بذلك، وعندما يكون الاستقلال للمسلمين عن الدول التي تسعى إلى طمس هويتهم كما هو حال إخواننا في: "كشمير" و: "تركستان الشرقية" في الصين، وهي أرض إسلامية احتلت، فليست أرضهم أصلا ليقول قائلهم إن حركات التحرير فيها: حركات انفصالية، عندما يكون الاستقلال كذلك، لا يتحرك أحد لمعونة أصحاب الحق الشرعي، ولو بمقاييس شرعيتهم الدولية المعوجة، وقل مثل ذلك في الشيشان، وكوسوفا التي نالت استقلالا منقوصا بعد سنين من الاضطهاد والتصفية ولا زالت جبهة مشتعلة غفل المسلمون كعادتهم في تقديم الدعم المادي والمعنوي لها في حين احتضنتها أوروبا لتقطع صلتها بالعالم الإسلامي.

وقد وصل انحلال عرى الولاء والبراء في قلوب سكان تلك الجزيرة إلى حد البدء فعليا في تغيير قوانين الجزيرة لتتواءم مع قوانين السيد الجديد، فرضوا، بأنفسهم، وهذه، أيضا، سابقة نوعية أخرى، أن يطمسوا هويتهم لا نقول الإسلامية، وإنما حتى القومية، فما يجري الآن هو تغيير لجلد الجزيرة بانسلاخها من محيطها الإسلامي تمهيدا لانضمامها إلى المحيط الفرنسي الكاثوليكي، وإن زعم العلمانية والليبرالية، فتلك شعارات لا تروج إلا على من رق دينه، فنظر إلى الأمر من زاوية كـ: "تدفع كام؟ "، فمن يدفع أكثر: حلال عليه!. ولا اعتبار للعقود الشرعية أو حتى القومية في زمن البيزنس السياسي الذي وصل إلى حد بيع الاستقلال والسيادة بثمن بخس دراهم معدودات. أو: فرانكات معدودات!.

وليس غريبا أن تتدخل الأمم العظمى في شؤون الشعوب الضعيفة فتفرض عليها قوانينها، وقد فعلها نابليون لما غزا مصر برسم التحرير والتحديث!، فجلب مطبعته لتطبع دساتيره لتتخذ حكما من دون شريعة الرحمن، وطواغيت الأرض لا يرضون إلا بدس أنوفهم، في كل شيء، حتى نازعوا الملك، جل وعلا، حكمه، وهو نفس الرسم الذي خاضت به أمريكا حربها في بلاد الأفغان والعراق، وكان تعديل الدساتير وفق المزاج الأمريكي المتحضر من الخطوات الأساسية في إعادة صياغة عقول الأمم المحتلة، فضلا عن تغيير المناهج الدراسية بما يتواءم مع المصالح الأمريكية الاستعمارية التي تتخذ الإنجيلية المتطرفة قاعدة فكرية لها.

وقد تساءل رئيس جمهورية جزر القمر عن إمكانية طلب جزيرة: "كورسيكا" الاستقلال عن فرنسا، مع أنها لا تشكل نسبة تذكر من مساحة فرنسا، هل توافق الحكومة الفرنسية على ذلك؟

ويوم قامت المغرب بإنزال بضعة جنود على أرض جزيرة "ليلى" التي لا تبعد عن الشاطئ المغربي أكثر من 200 م، في صيف عام 2002 م، وهي جزيرة غير مأهولة مساحتها نحو: 13.5 هكتارا، لمراقبة الهجرة غير الشرعية، وهي خدمة أمنية للشمال الغني الذي يخشى من زحف الجنوب الفقير!، سارعت إسبانيا التي تحتل هذه الجزيرة، بل وتحتل ثغري "سبتة" و "مليلية" على الشاطئ المغربي، ساعت إلى إنزال قواتها على أرض الجزيرة والقبض على القوات المغربية وتسليمها إلى المغرب من ثغر سبتة في رسالة استفزازية إلى المغرب مضمونها: نحن سادة الأرض، ولو على شاطئكم!

وهكذا فلتكن الشرعية الدولية!.

وإلى الله المشتكى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير