تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الله: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، ولهذه قصة وردت في الحديث الصحيح التالي: (كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، وكان أحدهما مذنباً، والآخر مجتهداً في العبادة، وكان لايزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: اقصر -كف عن الذنوب- فوجده يوماً على ذنب، فقال له: اقصر فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيباً، فقال: والله لا يغفر الله لك، أو والله لا يدخلك الجنة، فقبضت روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار). بعض الناس الذين يصيبهم غرور في العبادة، يظن أنه الوحيد الذي يغفر له، وأن هؤلاء المساكين إلى النار مباشرة، فيتحكم في رحمة الله، وينازع الله في ألوهيته ويقول: هذا للجنة وهذا للنار، فهذا قد يدخل النار كما ثبت في هذا الحديث، وليعلم كل داعية إلى الله أن هذا الانكسار الذي يحدث عند توبته، والذل والخضوع يخلص المذنب من الكبر والعجب الذي يكون مترسخاً في نفوس البعض من العابدين، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المتفاخرين، ولعل الله قد أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داءً قاتلاً هو فيك وأنت لا تشعر. ولذلك قد يكون تعيير المسلم لأخيه بذنب فعله أعظم إثماً من المذنب نفسه، لما فيه من إظهار الطاعة، وتزكية النفس وتبرءتها من الذنوب، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا زنت أمة أحدكم فليقم عليها الحد، ولا يثرب)، أي: لا يعيبها، فلا يظل بين فترة وأخرى يذكرها الذنب، يقول: أنت فعلت كذا وكذا، أنت فعلت الذنب!! فهذا التعيير غير جائز لهذا المذنب الذي أقيم عليه الحد، أو الذي تاب من ذنبه، وقد ورد عن بعض السلف: أن من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله. فيبتليه الله بأن يعمل نفس الذنب الذي عير أخاه به، وتعيير المسلم فيه نوع من الشماتة به، ولذلك ورد في القول المأثور: "لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك". ولابد أن يشعر كل واحد من الدعاة إلى الله بأن الله يمكن أن يضله في أي لحظة: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً [الإسراء:74] وقال يوسف: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33] وكان عامة يمينه صلى الله عليه وسلم: (لا ومقلب القلوب) وكان يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك).

إزالة العوائق النفسية لدى بعض التائبين

والاستيصاء بالتائبين خيراً: يكون من ضمنه إزالة العوائق النفسية التي تكون عند بعض التائبين، وتقديم الحلول العملية لهم، وشرح شروط التوبة لهؤلاء، فإن كثيراً من الناس يريدون التوبة ولا يعرفون شروطها، فلابد أن تشرح لهؤلاء، تقول لهم: لابد من الإقلاع عن الذنب فوراً، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليه، وإرجاع حقوق العباد الذين ظلمتهم، أو طلب البراءة منهم ومسامحتهم، وأن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر، فتقول لهذا الشخص: انتبه! ينبغي أن تكون توبتك صادقة. فمثلاً لا تقبل توبة من ترك ذنباً لحفظ صحته، كمن ترك الزنا أو الفاحشة؛ لما فيها من الأمراض الفتاكة، أو ترك السرقة خوفاً من الشرطي، أو ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً، أو شخص ترك الكذب لأن لسانه أصيب بالشلل، أو سارق ترك السرقة؛ لأنه فقد أطرافه في حادث، هؤلاء ينبغي أن تكون توبتهم لله لا لأشياء أخرى، أو واحد ترك المخدرات؛ لأنه خاف على وظيفته؛ أو خشي أن يطرد من عمله. إن التوبة ينبغي أن تكون لله عز وجل لا لشيء آخر، وأن يستقبح العبد الذنب ويشعر بالضرر. وينبغي أن نبين أضرار الذنوب: كحرمان العلم، ووحشة القلب، وتعسير الأمور، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، ومحق البركة، وقلة التوفيق، وضيق الصدر، وتوالد السيئات، واعتياد الذنوب، وهوان المذنب على الله، وعلى الناس، ولعنة البهائم له، ولباس الذل، والطبع على قلبه، والدخول تحت لعنة الله ورسوله، ومنع إجابة الدعاء، والفساد في البر والبحر، وانعدام الغيرة، وذهاب الحياء، وزوال النعم ونزول النقم، والرعب في قلب العاصي، والوقوع في أسر الشيطان، وسوء الخاتمة، وعذاب الآخرة. لابد أن نبين لهم عاقبة وأضرار الذنوب، كذلك لابد أن نقول لهم: انتبهوا! إنكم قد تتركون معاصي وتصرون على معاصٍ أخرى، قد تنتقل من معصية إلى معصية لأن طبعك متعلق فيها، أو لأن أسبابها حاضرة، أو لأن الشهوة فيها أقوى، أو أن القرناء لا يخالطونك إلا بها. وكذلك فإنه لابد أن نذكر أنفسنا جميعاً أن التائب لا ينبغي أن يشعر أن الله غفر له وانتهينا، وأنه الآن صارت صفحته بيضاء تماماً، بل ينبغي ألا يزال يشعر ويخاف من تلك الذنوب، ويشعر أنها جبل يريد أن يقع عليه، هو يرجو رحمة الله ولا ييئس، لكن لا يقول: أنا متأكد أن الله غفر ذنوبي، وإني داخل الجنة. وكذلك لابد أن نرشده إلى ما أرشده ذلك الرجل الصالح لقاتل المائة حيث قال: اذهب إلى بلدة كذا وكذا فإن فيها أناساً صالحين يعبدون الله فاعبد الله معهم، لابد أن ترشد التائب، تقول: أول شيء أصحاب السوء لابد أن تتركهم، كيف تخالط فلاناً وفلاناً وتعاشرهم وتريد الاستمرار على التوبة!!. ثانياً: وسائل المعصية لابد من إتلافها فوراً، لو كان عندك صور سيئة في البيت، أو مجلات سيئة وأفلام محرمة، وأشياء محرمة تتعاطى، وأدوات لهو، ومزامير ومعازف، وأشرطة فساد لابد أن تتخلص منها فوراً، هذا شيء لابد أن يرسخ في نفوس التائبين.

محمد المنجد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير