تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذهب الشّافعيّة، والقاضي وابن عقيل وابن الجوزيّ من الحنابلة إلى استحبابه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّه أنزل الدّاء والدّواء، وجعل لكلّ داء دواءً فتداووا، ولا تتداووا بالحرام».

وغير ذلك من الأحاديث الواردة، والّتي فيها الأمر بالتّداوي.

قالوا: واحتجام النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتداويه دليل على مشروعيّة التّداوي.

ومحلّ الاستحباب عند الشّافعيّة عند عدم القطع بإفادته.

أمّا لو قطع بإفادته كعصب محلّ الفصد فإنّه واجب.

ومذهب جمهور الحنابلة: أنّ تركه أفضل، ونصّ عليه أحمد، قالوا: لأنّه أقرب إلى التّوكّل.

قال ابن القيّم: في الأحاديث الصّحيحة الأمر بالتّداوي، وأنّه لا ينافي التّوكّل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحرّ والبرد بأضدادها، بل لا تتمّ حقيقة التّوحيد إلاّ بمباشرة الأسباب الّتي نصبها اللّه مقتضيات لمسبّباتها قدراً وشرعاً، وأنّ تعطيلها يقدح في نفس التّوكّل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظنّ معطّلها أنّ تركها أقوى في التّوكّل، فإنّ تركها عجز ينافي التّوكّل الّذي حقيقته اعتماد القلب على اللّه في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضرّه في دينه ودنياه، ولا بدّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلاّ كان معطّلاً للحكمة والشّرع، فلا يجعل العبد عجزه توكّلاً، ولا توكّله عجزاً. (الموسوعة الفقهية الكويتية)

"السؤال

سمعنا أن مريضا وصف له نقل كلية من صحيح، فقال له بعض الناس: لا داعى للعلاج، فأجله محدود، وليسلِّم أمره إلى الله فان أبا بكر رضى الله عنه عندما مرض قيل له: لو دعونا لك طبيبا، فقال:

الطبيب قد نظر إلىَّ وقال: إنى فعال لما أريد. فهل التداوى من الأمراض ينافى الرضا بقضاء الله؟

الجواب

قرأت العبارة المأثورة عن أبى بكر رضى الله عنه فى إحياء علوم الدين "ج 4 ص 346" عندما تحدث الإِمام الغزالى عن العلاقة بين التداوى والتوكل على الله، وذلك بعد كلامه عن السعى فى إزالة الضرر " ص 343" وقال: إن السبب الذى يقطع بأنه يزيل الضرر كالماء المزيل للعطش، والخبز المزيل لضرر الجوع - ليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت، أما السبب الذى يظن بأنه يزيل الضرر كالذى عند الأطباء ففعله ليس مناقضا للتوكل، ودلل على أن التداوى مشروع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، بل أمر به، وساق من قوله حديث "ما من داء إلا له دواء، عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام " رواه أحمد، وزاد عليه العراقى حديث البخارى " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" وحديث مسلم " لكل داء دواء" وساق الغزالى من فعل النبى صلى الله عليه وسلم أنه تداوى غير مرة من العقرب وغيرها، وذكر العراقى أن الطبرانى رواه بإسناد حسن، وكان إذا نزل عليه الوحى صدع رأسه فيغلفه بالحناء، كما رواه البزار وابن عدى فى الكامل، وكان إذا خرجت به قرحة جعل عليها الحناء كما رواه الترمذى وابن ماجه، وفى رواية البخارى جعل عليها التراب، وفصد عرقا لسعد بن معاذ كما رواه مسلم، وساق من الأمر به حديث " تداووا عباد اللّه فإن الله خلق الداء والدواء" رواه الترمذى وصححه وابن ماجه، وأمر غير واحد من الصحابة بالتداوى وبالحمية.

ثم ذكر الغزالى أن هذه الأدوية أسباب مسخَّرة بحكم الله فلا يضر استعمالها مع النظر إلى مسبب الأسباب وهو الله، دون الطبيب والدواء. وقال فى " ص 246" إن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون، ولكن جماعة من الأكابر تركوه كأبى بكر وأبى الدرداء وأبى ذر وقال: ليس فى تركهم الدواء مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يكون لبعضهم انكشاف بأن الدواء لا يمنع أجله، إما برؤية صادقة أو بحدس وظن أو بكشف محقق قد يكون منه ما حدث لأبى بكر حيث قال لعائشة فى أمر الميراث: إنما هن أختاك، وكانت لها أخت واحدة ولكن كانت امرأته حاملا فولدت أنثى، فلا يبعد مع هذا الكشف أن يكون قد كشف له أجله ولا حاجة إلى التداوى الذى شوهد الرسول يتداوى ويأمر به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير