تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن تلك الدعوة كانت حقا حماه سيف العدل، فلم تكن مجردة من وسائل الدفاع عن نفسها، وإزالة من يقف في طريق نفاذها إلى القلوب، كما هو الحال اليوم إذ الحق مجرد من الحديد الناصر وكثير من أهله قد ارتضى ذلك الذل ظنا منه أنه من لوازم السماحة! وقد غفلوا عن آيات العزة من قبيل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) فليسوا ظلمة معتدين ولكنهم في المقابل ليسوا ضعافا مهانين، فكان السيف: سيف رحمة على الشعوب التي أذلتها طواغيت الأرض، فجاء الإسلام ليحررها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. ولعل حال نصارى مصر، والمنصف منهم يعترف بذلك، وما أقله!، لعل حالهم خير شاهد على ذلك فقد استنقذهم عمرو، رضي الله عنه، من رق الرومان، فعرفوا معنى الحرية الدينية التي يتشدق بها الغرب الآن، قبل أن يعرفه جلادوهم من نصارى الغرب بقرون، وهم الذين يستعملونهم اليوم ورقةَ ضغط على مصر، وكثير منهم يستجيب لذلك في سذاجة غريبة تدل على جهلهم المطبق بتاريخ الصراعات المذهبية في دينهم.

ويقول الكونت: "هنري دي كاستري" في كتابه: "الإسلام خواطر وسوانح":

"فلم يكره أحد عليه _ أي الإسلام _ بالسيف ولا باللسان، بل دخل القلوب عن شوق واختيار، وكان نتيجة ما أودع في القرآن الكريم من مواهب التأثير والأخذ بالألباب". اهـ

الأقوال السابقة نقلا عن: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص48، للشيخ الدكتور محمد يسري حفظه الله وسدده.

الشاهد أن قوله تعالى: (لا إكراه في الدين) محمول على من لم يدخل في دين الإسلام ابتداء، وهذا ما يشهد لما نحن بصدده من عدم إكراه أحد على الدخول في ديننا، لا من دخل ثم بدا له أن يرتد فإن ذلك ذريعة إلى هدم الإسلام بالتشكيك في صحته، إذ لسان حال المرتد، بل لسان مقاله، في أغلب الأحيان، الطعن في الإسلام، فيكون قتله حينئذ من باب حفظ الضرورة الأولى: ضرورة الدين، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقتله من باب سد الذريعة إلى إفساد الملة. فلا تعارض بين هذه الآية وبين نصوص الجهاد نشرا للدين وتبليغا للرسالة من جهة، وبينها وبين النصوص الآمرة بقتل المرتد من جهة أخرى، والنصوص كلها، عند التحقيق، شاهدة بتكامل وإحكام البناء التشريعي لدين الإسلام، فلكل موضع حكمه، ولكل زمان فقهه.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير