تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ووضعُ المظهر، (أي: الأشهر الحرم)، موضعَ المضمرِ ليكون ذريعةً إلى وصفها بالحُرمة تأكيداً لما يُنبىء عنه إباحةُ السياحةِ من حرمة التعرضِ لهم مع ما فيه من مزيد الاعتناءِ بشأنها". اهـ

فلما كان الأمر: أمر عهود تحترم، ودماء تحقن فرعا عنها، حتى تنقضي مدتها ناسب ذلك أن تصدر الآية بذكر الأشهر صراحة لا كناية، ليزول الإبهام ويرتفع الإشكال، إذ يصح في غير القرآن: فإذا انسلخت ......... اتكالا على ما تقدم من ذكرها، ولكن الله، عز وجل، أعاد ذكرها مظهرة لما تقدم من التوكيد على حرمة العقود، فالآية، على عكس ما قد يروج المغرضون، تظهر سماحة الإسلام مع أهل الأوثان، بإمهالهم، والتوكيد على احترام عهدهم حتى تنقضي مدته، فإذا انقضت فالمسلمون في حل منه، كأي هدنة تعقد بين فئتين، فإن انقضاءها كاف في إعلام كل فئة الأخرى استئناف القتال، فلا يلزم لذلك إعلام جديد.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

"والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي عنه، وبه قال مجاهد، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن إسحاق، وقتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها في قوله: {فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] ثُمَّ قَالَ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} أي: إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم، وأجلناهم فيها، فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم؛ لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر؛ ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة". اهـ

فحمل الأشهر على تلك الأشهر أولى من حملها على الأشهر الحرم المعروفة، وإن اشترك الاثنان في وصف الحرمة، لأن السياق، وهو قرينة في معرفة مراد المتكلم يدل على إرادة أشهر المعاهدة بعينها، لا الأشهر الحرم التي تتكرر كل عام، فالعهد في أشهر المعاهدة أظهر، فتنزل منزلة المعهود الذكري، الذي تقدم ذكره، فذلك أولى من حملها على معهود ذهني مقدر لم يتقدم له ذكر في السياق، وهو: الأشهر الحرم المعروفة، بل إن أحكامها ستأتي مفصلة بعد ذلك، في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، فحمل الآية عليها مفض إلى التكرار بذكرها في موضعين، بخلاف ما لو حملت على أشهر المعاهدة فيكون فيها تأسيس لحكم جديد، وذلك أولى في التقدير.

وهكذا ينظر في كل سياق لمعرفة المعنى المراد فليس المراد استقصائها، وإنما المراد التنبيه على كيفية التعامل معها خاصة ومع نصوص التنزيل عامة، فإن استقطاع جزء من آية، أو آية من سياق، وحملها على مراد سابق، مظنة الزلل في تفسيرها، إذ يحمل الهوى المستدل إلى لي أعناقها انتصارا لمقالته ولو كانت باطلا محضا.

&&&&&

وأما الزعم بأن آيات الجهاد تتعارض مع نحو:

قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)

فهو خلط في الاستدلال، إذ لا يكره أحد على مفارقة دينه ابتداء، وحال الشعوب التي فتح الإسلام ديارها خير شاهد على ذلك، إذ لم يكره الفاتحون أهل تلك الديار على مفارقة دينهم، بشهادة من أنصف من المخالف قبل الموافق.

يقول "جوستاف لوبون": "سيرى القارئ _ حيث يبحث في فتوح العرب وأسباب انتصاراتهم _ أن القوة لم تكن عاملا في انتشار القرآن الكريم، وأن العرب تركوا المغلوبين أحرارا في أديانهم"، ويقول أيضا: "لم ينتشر القرآن بالسيف ...... بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير