تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والرسل عليهم السلام ما أعطوا ذلك إلا فرعا عن طاعة مرسِلهم، جل وعلا، فليست الطاعة لهم بمقتضى أعيانهم، وإلا كانوا آلهة تعبد من دون الملك، جل وعلا، وإنما الطاعة لهم بمقتضى أوصافهم، فوصف الرسالة مسوغ للطاعة التامة، فالبشرية لا تقتضيها والنبوة تقتضيها، وفي التنزيل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، فنص على بشريته ليقطع الطريق على الغلاة، ونوه عن رسالته ليقطع الطريق على الجفاة الذين يجعلون النبوات كالسياسات البشرية، فلأي ذكي أن يضع ناموسا يحاكيها يسوس به من تحت يده، فتصير النبوة ملكة تكتسب لا منحة توهب من الباري عز وجل.

ولا شك أن لتلك البدعة نوع فائدة، وإلا ما استحسنها فاعلها، فإن البكاء تدينا، ولو كان وهما لا حقيقة له، خير من الإلحاد، ولا بد أن تنطوي البدعة على نوع حق، فإن أصل تعظيم المسيح عليه السلام، بلا غلو، حق، وهم قد أتوا به وزادوا عليه من عندهم غلوا وصل إلى حد الخرافة، فبأثر الحق الباقي، وبتزيين شياطين الجن والإنس تروج تلك المقالة على فئام، بل أمم، تنشد السعادة الروحية مبتغى كل عاقل، ولكن ما قدر تلك الفائدة المحدودة في مقابل ما انطوت عليه من مفاسد أعظمها الشرك بالله، عز وجل، مادة كل فساد في هذا العالم، وما مقدار تلك الفائدة في ميزان النبوات الحقة؟!.

وتحس بأن الدين قد تحول في تلك الاحتفالات إلى مراسم تأبينية!، فإن العلم غائب، والعمل: حادث لا أصل له، فالطقوس الكهنوتية لا مستند لها من نقل صحيح أو عقل صريح. وهذا مما لا يستطيع النصارى إنكاره إلا مكابرة، فهم من أبعد الناس عن توثيق المقالات، فلا مستند لهم في أصل أو فرع، وإنما أمور يرثها اللاحق من السابق ترد عليها الزيادة والنقصان تبعا لتفاوت عقول كل جيل فما يقبله جيل قد يأباه آخر، حتى وصل الأمر إلى حذف مقدم البروتستانت: مارتن لوثر سبعة أسفار من النسخة الكاثوليكية لم ترق له، فوجد فيها ما يصادم فطرته وعقله، فأحال النصارى من عقل روما الكهنوتية إلا عقله البروتستانتي التجديدي!، إذ لا ميزان يرجع إليه عند التنازع من وحي عاصم، فقد ضاعت ألفاظ الوحي وحرفت من لدن ترجم الإنجيل، وفقد أصله، ولم يبق إلا ترجمات تتفاوت وتتضارب هي الأخرى تبعا لتفاوت وتضارب عقول مترجميها، وفي مثل هذا الجو العلمي الفقير: تنمو البدعة العلمية والعملية وتتجذر في نفوس معتنقيها، واعتبر بحال مبتدعة أهل القبلة تجدهم قد اقتبسوا شعبة من ذلك، فالتناسب عكسي: إذا قل العلم ظهرت الأهواء العلمية والعملية، وإذا ظهر العلم بدد بنوره ظلمة الجهل والبدعة، فلا بقاء للباطل إلا بتجهيل أتباعه، ولذلك تجد رؤوس الضلال من اليهود والنصارى والمبتدعة حريصين كل الحرص على حجب حقائق دينهم عن الأتباع، فضلا عن تشويه حقائق الإسلام والسنة، فيمارسون إرهابا مقيتا بفرض الوصاية الجبرية على العقول، وعلى الأبدان كما هو مشاهد في محاكم التفتيش المعاصرة عندنا في مصر، فالتابع أو المريد لا بد أن يستسلم لقول المتبوع أو الشيخ، فلا مناقشة في أمور الإيمان، وإنما محض تسليم ولو بالمحال الذي تأباه الفطر والعقول، وهل تقبل فطرة أو يستسيغ عقل: تجسد الإله في صورة بشرية ليفدي البشر بناسوته المقدس بعدما أعيته الحيل فلم يقدر على غفران خطيئة آدم الأولى التي كانت سببا في دخول الأنبياء جميعا سجن إبليس وتدنيس البشرية بأكملها بأدران خطيئة لا ذنب لها في وقوعها، قبل أن يطلق سراح الجميع بعد وقوع الفداء؟!. مع ما تخلل تلك الصورة التجريدية التي تعبر عن معاني الفداء والفناء من أجل الآخرين ......... إلخ من المثل الأفلاطونية التي أقحمت في مقالة النصارى من المقالات الوثنية القديمة، ومع ما تخللها من أمور تثير السخرية، كتنكر الله، عز وجل، في هيئة بشرية لئلا يفطن له إبليس!، لتقام عليه الحجة القاطعة! .......... إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير