تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعجب من النصارى الذين ينقمون على الرق في الإسلام وهو، عند التحقيق، صورة من صور العدالة الإلهية، فلم يحض رقيق بحقوق كحقوق الرقيق في الإسلام، العجب منهم إذ ينقمون على الإسلام ذلك، وأحبارهم وقساوستهم قد استرقوا أمما بأكملها بعقدة الذنب المتولدة من الخطيئة الأولى، حتى صارت هي حجة من يبرر طغيان الكنيسة وتأييدها لظلم الإقطاع في عصور الظلمات في أوروبا، فالإنسان قد تدنس بالخطيئة، فعوقب بأن يكون رقيقا في مزارع النبلاء ورجال الدين، وكأن أولئك ليسوا، أيضا، بشرا تدنسوا بذات الخطيئة؟!.

والشاهد أنك في العلم والعمل أمام: عاطفة جياشة بلا عقل، إذ لو قيست تلك الطقوس بميزان العقل لخسرت أيما خسران، ولكن الجواب معد سلفا من قرون عديدة: الإيمان فوق المناقشة!، ولو كان إيمانا بأمر تحار فيه العقول كحقائق الغيبيات من نعيم قبر وعذابه، ونعيم جنة وعذاب نار .......... إلخ لصح ذلك، ولكنه إيمان بمحال لا وجود له إلا على سبيل الفرض العقلي المحض، بل هو عند التحقيق، فرض لا عقلاني، وإنما نسب إلى العقل لأنه لا يتولد إلا فيه، وإن كان مختلا فاسدا، فلا محل لذلك في عالم الغيب أو الشهادة، وإنما محله عالم الوهم والخرافة.

وقد ترتب على تلك العاطفة مع قلة العمل ما نراه الآن من سير في طرقات على وجه التعبد، مع أن المسيح، عليه السلام، لم يتقصد بذلك سن عبادة لأنباعه، فلو كان ممن سار على تلك الطرق، لكان أحد المارين لا أكثر ولا أقل!، وإلا لزم من ذلك تقديس كل مكان سكنه الأنبياء أو ساروا فيه ........... إلخ. فقد شغل من سن ذلك بمظاهر التبجيل ولو بالغلو والابتداع، فليس له نصيب في الاقتداء بتعاليم المسيح عليه السلام الحقيقية، إذ هي عنه مغيبة، فهو في فساد عريض من القول والعمل.

وتلك من حيل الشيطان المعروفة: أن يشغل المتدين بأي ملة أو نحلة بأمور ظاهرة يظنها علامة على صحة التدين ومحبة المتبوع من رسول أو إمام أو شيخ .............. إلخ، ومن اعترض عليها فتهم التعدي على مقام الأنبياء والأئمة والأولياء جاهزة، كما نشاهد عندنا في مصر، في المولد النبوي وبقية الموالد التي ما أنزل الله بها من سلطان فقد تحول بها الدين إلى: "فلكلور" شعبي! أغرى الغرب بالسخرية من الشرق المسلم وصده عن اتباع الحق لظنه أن الإسلام هو ما يراه في تلك الموالد والمآتم!.

فليس مجرد الفعل عبادة حتى يرد دليل نقلي صحيح على ذلك، فإن العبادات مبناها التوقيف، كما يقول أهل العلم، فلا تثبت إلا بنقل، إذ لا مدخل للعقول فيها كالمعاملات التي يسوغ الاجتهاد فيها بالقياس ونحوه. ولذلك كان للصلاة في المسجد الحرام فضيلة لورود النص عليها لا لمجرد صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه. وكان للسعي بين الصفا والمروة على وجه التعبد ما ليس للسعي في طرقات مكة، مع أن البلد واحد، لورود النص بمشروعية الأولى دون الثانية، وإلا كان مجرد السير في مكة عبادة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سار في طرقاتها يوما ما!.

ولذلك اهتم الأصوليون بالتفريق بين أفعال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجبلية كالطعام والشراب واللباس والنوم والنكاح، عدا ما اختص به من جزئيات في تلك الأفعال كجواز نكاح أكثر من أربع نسوة، ونوم العين مع يقظة القلب ...... إلخ، اهتموا بالتفريق بين: تلك الأفعال الجبلية التي لا يظهر فيها وجه تعبد، والأفعال التعبدية التي يستفاد منها البيان في مقام سن الشرائع وتقرير الأحكام كصلاته وحجه عليه الصلاة والسلام .......... إلخ، واهتموا بتأصيل قواعد جامعة نافعة في ذلك كقولهم بأن: فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم محمول على الندب أبدا إلا إذا كان بيانا لمجمل واجب كصلاة أو حج، فيكون واجبا، ومع ذلك لم تخل تلك الأعمال من مندوبات، فاهتموا بتحرير القرائن الصارفة لها من الوجوب إلى الندب في دقة وإحكام، لئلا يقع الخلط بين الواجب والمندوب فيقع المكلفون في الحرج بترك بعض المندوبات إذا لم يتيسر لهم فعلها، ولئلا يقع الخلط بين ما فعل على وجه التعبد وما فعل على وجه العادة البشرية، فيتعبد المكلفون بأمور عادية لا وجه للتعبد فيها فيكونوا قد وقعوا في البدعة بجعلهم ما لم يجعله الله، عز وجل، شرعا: شرعا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير