تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

روى ابن حبان أيضا في صحيحه عن مالك بن الحويرث، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما رقي عتبة، قال: «آمين» ثم رقي عتبة أخرى، فقال: «آمين» ثم رقي عتبة ثالثة، فقال: «آمين» ثم، قال: «أتاني جبريل، فقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين ... الحديث.

إنها كارثةٌ فعلاً .. دعاءٌ من سيد الملائكة وتأمين من سيد البشر!

على أي شيء؟

على (إبعاد) من فشل في رمضان ولم ينجح! (من أدركه رمضان فلم يغفر له).

وازنوا الآن بين الصورتين .. صورة الناجحين في رمضان ممثلةً في ذلك الرجل البلويّ السابق إلى الجنة، وصورة الراسبين فيه ممثلةً في من دعا عليه الملك بالإبعاد وأمَّنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم.

يقول علماءُ النفسِ: إن المسافة بين صورة النجاح والفشل في أي قضيةٍ كانت هي التي تتحكم في حجم الدافع الداخليِّ لدى الإنسان.

فكلما زادت هذه المسافة .. زادت حماسة الإنسان للنجاح.

وكلما قلّت .. فترت همته وقل سعيه للنجاح.

بمعنى أنك إذا كنت لا ترى فرقاً كبيراً بين أن تنجح أو أن تفشل في قضيةٍ ما فإن حماسك للنجاح في هذه القضية يكون ضئيلاً جدا.

ولكنك إذا كنت تجد فرقاً هائلاً بين نجاحك وفشلك فسيدفعك ذلك دفعاً شديداً لأن تطلب النجاح وتحصّله.

وأنا عندي اعتقادٌ أكيدٌ بأنّ عدم استشعارنا العميق للفرق بين الناجحين في رمضان والفاشلين فيه سببٌ من أسبابِ قلةِ احتفالنا بالنجاح الرمضانيّ.

وأحسب أننا جميعاً بعد هاتين الصورتين المتضادتين قد بدأنا نشعر بقيمةِ النجاح في شهر رمضان ..

وهذا الشعور العميق هو أول الدوافع نحو البحث عن (مفاتيح لهذا النجاح الرمضانيّ).

وهذه المفاتيح هي ما أحاول أن أتحدث عنه في هذا المقام .. قلتُ: أحاول وأنا أعني ما أقول؛ لأن الموضوع أكبر من طاقتي العملية .. والأهمّ أنه أكبر من طاقتي الروحية .. وعافيتي القلبية .. ولكنني أحاول .. أحاول فحسب. وعسى أن يكون في السامعين من هو أزكى قلباً وأنقى روحاً وأعلى همةً فينشطَ لما كسلتُ فيه أنا.

في ظنّي أن مفاتيح النجاح الرمضانيّ خمسة أنسقها مسجوعةً ليكون ذلك أدعى لحفظها:

المفتاح الأول: كمال الاستعداد.

والمفتاح الثاني: جمال الاستمداد.

والمفتاح الثالث: تحريك أشواق الفؤاد.

والمفتاح الرابع: التخطيط المستفاد.

والمفتاح الخامس: مكمّلات الزاد.

أما (كمال الاستعداد) فشيءٌ قد فات وقتُهُ للأسف، وأعني به أن يتهيّأ الإنسان لهذا الشهر قبل قدومِهِ، ويستعدّ للحظاتِهِ قبل ورودِهِ، وقد سلف لهذا المنبر حديث مفصَّلٌ عنوانه (استعدّ من الآن) أحسبُ أنّه وفّى هذا المفتاح حقَّهُ من النظر والفحص.

وأما (جمال الاستمداد) – وهو المفتاح الثاني – فهو سرٌّ من أسرار النجاح الرمضانيِّ يعرف قيمته من وُفِّق إليه.

وحقيقته أن يستمد العبدُ من ربه العونَ على الطاعةِ والعبادةِ، وأن يكون كما قال القائلُ:

دعِ العبدَ ياعبدُ وارفع يديك ودقّ السماءَ وقل ياودودْ

ولقد ربط سبحانه وتعالى بين العبادة والاستعانة ربطاً محكماً في قوله جل جلاله: (إياك نعبدُ وإياك نستعين). إن هذا الجمع بين العبادة والاستعانة في آية كريمةٍ نكررها في كل ركعة من صلواتِنا معناهُ أنّ عليك أيها العبدُ أن تعقلَ أنه لا سبيل لك إلى كمال العبادة إلا عبر بوابة الاستعانةِ.

وقد تكرر هذا المعنى في النصوص الشرعية .. وأوضح ما هنالك مارواه أحمدُ وغيره عن عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ)، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أُحِبُّكَ، قَالَ: (أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).

فهذه وصية نبويةٌ جاءت في سياق المحبةِ فحواها أن على الإنسان أن يستعين بالله على طاعته دبر كل صلاة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير