تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"ومن أخص أوصاف الرب القدرة على الخلق والاختراع فليس ذلك لغيره أصلا ............. وأخص وصف الرب ليس هو صفة واحدة بل علمه بكل شيء من خصائصه وقدرته على كل شيء من خصائصه وخلقه لكل شيء من خصائصه". اهـ

بتصرف من: "الرد على البكري"، ص126_130.

وأما قوله: (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ): فهو دليل العناية: عناية الغني، جل وعلا، الذي لا يفتقر إلى سواه، بالفقير الذي يحتاج من يطعمه، فامتن الغني، جل وعلا، على الفقير، بأسباب الحياة، فقدر له، كما تقدم في أكثر من موضع، قوت الأبدان وقوت القلوب، فذلك أمر يتكرر التنويه به بتكرار صور العناية الربانية بالعباد، فثنائية الرب الغني والمربوب الفقير مظنة الإطناب في بيان صور ربوبية العناية في معرض بيان المنة الربانية السابغة، وطباق السلب بين: "يُطْعِمُ"، و: "وَلَا يُطْعَمُ" آكد في تقرير المعنى، إذ الإثبات في معرض الوصف الفعلي المتعدي، والنفي في معرض الوصف الذاتي اللازم، فهو الذي يُطْعِم لكمال عنايته بخلقه، ولا يُطْعَم لكمال غناه عنهم، فلا يبلغ أحد نفعه، تبارك وتعالى لينفعه، فضلا عن دلالة الجناس الاشتقاقي بين صورتي الفعل: المبني لما سمي فاعله: "يُطْعِم"، والمبني لما لم يسم فاعله "يُطْعَم"، إمعانا في إثبات الوصف له على وجه التعيين والانفراد، ففاعل الإطعام المثبت معلوم، لا شريك له، في أفعال ربوبيته: جلالا بمعاني العزة والقهر، أو: جمالا بمعاني التدبير والرزق، وفاعل الإطعام المنفي مجهول، إرادة العموم، فلا يطعمه أحد، أيا كان، ولا يمده أحد بأسباب البقاء والغنى والعزة ......... إلخ، فغناه عن خلقه: مطلق، فهو ذاتي لازم باعتبار الوصف، بل فعلي متعد إليهم، فهو المغني لغيره، الممد له بأسباب البقاء، فكل أوصاف الكمال في عباده منه على جهة الإيجاد والإمداد، فأوجد الحياة فيهم وأمدهم بأسبابها، وأوجد البقاء الأبدي فيهم في دار القرار وأمدهم بأسبابه ........... إلخ، وفي المقابل: كل أوصاف الكمال الثابتة له: ذاتية لا تفتقر إلى سبب يوجدها من العدم، فهي أزلية بأزلية الذات القدسية، ولا إلى سبب يمدها بمعاني الكمال فله منها منتهى الكمال الذي لا يعتريه النقص بأي حال من الأحوال.

وإنما خص الإطعام بالذكر لكونه من آكد صور الافتقار، فنفيه من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، فلا يفتقر إلى خلقه في شيء من وصف كماله الذاتي اللازم أو وصف كماله الفعلي المتعدي إلى غيره الذي به يدبر كونه على سبيل الانفراد فلا شريك له في وصف كماله، ولا شريك له في أمره الكوني النافذ: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ): فنفى استقلالهم بملك مثقال ذرة من الكون، ونفى شركتهم، بل ومظاهرتهم، ففي السياق تدرج من نفي الأعلى إلى نفي الأدنى. فكل مسخر بأمره الكوني: تسخير المربوب المقهور لربه القاهر.

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ: إطناب في تقرير معاني ربوبية الجلال: ربوبية القهر والتسخير بالأمر الكوني النافذ.

وفي قوله:

أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ: تذييل لما تقدم من دليل الإيجاد والاختراع، فنبه إلى ذلك بـ: "ألا" الاستفتاحية، وقدم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، فضلا عما للام: "له" من معاني الاستحقاق والانفراد، فله وحده، عز وجل، الخلق خصوصا، إذ هو، كما تقدم، من آكد أوصاف الربوبية، وهو من أمره الكوني، والأمر: عموما، فـ: "أل" جنسية استغراقية، فهو مفرد الأوامر التكوينية التي تكون بها الأمور على حد قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)، فالأولى: بمعنى المأمور المفعول، والثانية: من الأمر الذي به يكون المأمور.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير