تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

فذلك مئنة من كمال ربوبيته، عز وجل، فهو الذي يتوفى الأنفس بجنده الذين وكلوا بذلك على حد قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)، و: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)، فأمره الكوني بالإحياء والإماتة نافذ، فهو المحيي المميت، على سبيل المقابلة مئنة من كمال ربوبيته باستيفاء شطري القسمة العقلية: الإحياء والإماتة، ويقال من جهة أخرى: الإحياء: إيجاد من عدم، وهذا دليل على إمكان المخلوق في مقابل وجوب وجود الخالق، عز وجل، وجوبا ذاتيا حال اتصافه بأوصاف الكمال المطلق، فالفارق بين الخالق والمخلوق ثابت من هذا الوجه، فضلا عما يدل عليه الموت سواء أكانت الموتة صغرى أم كبرى من نقص وفقر ذاتي في المخلوق المربوب في مقابل كمال وغنى الخالق الرب جل وعلا. فالوفاة من أظهر أدلة كمال الرب، جل وعلا، إذ بضدها تتميز الأشياء، والنوم والموت: نقص مطلق لازمه حصول الغفلة، ولا يتصور أن يغفل الرب، عن العالم لحظة، إذ لو فرض ذلك فرضا عقليا محضا للزم منه فساد أمر هذا العالم، ولذلك كان الرب، عز وجل، محيطا بكونه بعلمه وقدرته، فلا يغيب عنه، وذلك مما استدل به الخليل عليه السلام في معرض إبطال مقالة عباد الكواكب من الصابئة.

والمضارع مئنة من التجدد فذلك أمر يقع في كل لحظة، فتستوفى آجال، وتستأنف أخرى، ولا يكون ذلك إلا بقدرته، جل وعلا، الكونية النافذة.

وجمع بين الوفاة الكبرى والصغرى في سياق واحد من باب استيفاء شطري القسمة العقلية، فعلى القول بأن لفظ الوفاة: حقيقة في الموت، مجاز في النوم، يصح الاستدلال بذلك على جواز دلالة اللفظ على حقيقته ومجازه في سياق واحد، وقد يقال بأن المعنى الكلي للوفاة وهو: القبض والاستيفاء ثابت في كليهما، فيقيد ذلك بما يدل على مراد المتكلم فقرينة: (حِينَ مَوْتِهَا): دليل على إرادة الموتة الكبرى، وقرينة: (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ): دليل على إرادة الموتة الصغرى، وإنما شبه النوم بالموتة الصغرى لكونه أقرب ما يكون إليها من جهة غياب الإدراك وسكون البدن مع بقاء اتصال الروح به اتصالا يحفظه من الفساد بخلاف الموتة الكبرى التي ينقطع فيها اتصال الروح به فيسارع إليه الفساد إذ الروح سر بقائه ومعدن صلاحه، فإذا فارقته صار مظنة الفساد فينحل لحمه وعصبه وتتداعى عليه هوام الأرض تداعي الأكلة إلى قصعتها. وتلك آية أخرى يعرف بها العبد قدره فمقابل هذا الفساد: كمال صمدية الرب، جل وعلا، فهو الباقي بعد فناء خلقه.

فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ: قضاء كونيا نافذا، على حد قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ). فيتوفى الأنفس جميعا حال نومها، فذلك معنى تشترك فيه كل النفوس، ثم يباين، عز وجل، في أحوالها من الإمساك والإرسال بمقتضى قدرته الكونية النافذة، وذلك مئنة من كمال ربوبيته القاهرة، إذ يقضى على أنفس بالموت فتصير إلى الوفاة الكبرى ويقضي على أنفس بالحياة فتصير إلى اليقظة، ولكل قيامته، سواء أكانت يقظة أم مناما، على حد قول قتادة رحمه الله: "مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ" فيقبض ويرسل، وذلك الطباق بين الفعلين، أو المقابلة بين الشطرين: (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) و: (وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)، مئنة من كمال تصرفه الكوني في خلقه: أعيانا يالإيجاد والإعدام، بالتكوين من نطفة، والاستحالة إلى تراب، وأفعالا: سواء أكانت جبلية كالنوم واليقظة، والجوع والشبع، والظمأ والري ............ إلخ أم تكليفية من: إيمان وكفر، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة ........... إلخ، وهو جار على ما تقدم من كمال ربوبيته، جل وعلا، إذ خلق الشيء وضده، فأقام كونه على معاني الزوجية، وانفرد بمعاني الأحدية الذاتية والوصفية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير