تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما في عبادة التوكل التي يكاد أغلب الناس لا يعرف منها إلا الصورة والرسم الظاهر، دون الحقيقة الباطنة، أو ظاهرة، فالسياق جار على حد ما تقرر مرارا من الثنائية الأشرف في حياة كل مكلف: ثنائية الرب القادر، والإله الحاكم، فهو الموصوف بكمال الربوبية على حد الانفراد، المستحق لكمال الألوهية على حد الانفراد، فكما وحدته بأفعاله خلقا وإيجادا، فوحده بأفعالك تألها وإيمانا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 03 - 2010, 07:48 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ):

فذلك من التوسل بدلالة إيجاده، عز وجل، للسماوات والأرض من العدم على غير مثال سابق، فيا فاطر السماوات والأرض أنت لا أحد سواك، لدلالة القصر بتقديم المسند إليه تحكم بحكمك الكوني النافذ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، ولا يكون حكم إلا بعلم، فأتى العلم بعد الملك، لكون السياق سياق فصل بين متنازعين ولا يفصل بينهما إلا قادر، فالقدرة مظنة القهر بإنفاذ الحكم وإن أبى المتنازعان بعد صدوره، فذلك مما باين به الرب الحكم، جل وعلا، حكام الأرض، فقضاؤه الشرعي أعدل قضاء، وقضاؤهم لا يخلو من جور، بل لا يكون إلا على رسم الجور إن أعرضوا عن طريقة الشرع المنزل، فما أحدثت السياسات والأقضية الجائرة إلا فرعا عن الجهل بناموس النبوات، فظن المحدث لجهله حاجة إلى غير وحي ربه، عز وجل، فضل في شعاب العقول القاصرة عن إدراك أوجه الحكمة الكلية، فغايتها تحصيل منافع جزئية، ولو بإهدار مصالح كلية لنقص في العلم وفساد في الإرادة والعمل، فلم يسددهم الرب، جل وعلا، إلى سلوك الجادة، إذ اطلع على قلوبهم فعلم ما فيها من مادة فساد تمنع الانتفاع بمادة الصلاح لاشتغال المحل بحركتها فلا يقبل علامة الصلاح ولا يحل محلها رفعا بل هو على رسم الخفض بما دخل عليه من أسباب الكسر، وقضاؤه على حد النفاذ وقضاؤهم قابل للنقض بل كثيرا ما يعجزون عن إنفاذه لاتصافهم بالعجز الذاتي، فيضعون التقديرات والتصورات ويعجزون عن تحقيقها في أرض الواقع، فهي محض أماني، بخلاف مرادات الرب، جل وعلا، فإنها فرع عن علمه الأول، كائنة بقدرته النافذة، ولما كان المقام مقام جلال بالفصل بين متنازعين ناسب ذلك، كما تقدم، تصدير السياق بالقدرة فهي مظنة القهر بإنفاذ الحكم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وتبعها العلم إذ لا يكون قضاء إلا بعلم بداهة، وكلما زاد العلم بالشيء تصورا صح الحكم عليه، ولله المثل الأعلى، فله العلم المحيط والقدرة النافذة فلا يتصور تخلف حكمه مع وجودهما، فلك كمال الحكم الكوني على حد قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)، وأنت تحكم في دار الابتلاء بين عبادك بحكمك الكوني فتنزل العقوبة على مكذبي الرسل عليهم السلام، وتنصر رسلك والذين آمنوا معهم، وأنت تحكم بحكمك الشرعي في النوازل الكائنة بحكمك الكوني، على حد: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، فلك الإيجاد بالفطر على غير مثال سباق، ولك التدبير الكوني بالكلمات الكونية في دار الابتلاء إحياء وإماتة، إعطاء ومنعا، ولك التدبير الشرعي بالكلمات الشرعية النازلة على قلوب رسلك عليهم السلام، فتلك عنايتك بكونك بتسييره على سنن متقن، وهذه عنايتك بقلوب عبادك بإمدادها بأسباب التزكية الشرعية. فكمال عناية بتدبير الشرع والكون لما أوجده الرب، جل، بقدرته من هذا العالم المشهود في دار الابتلاء والعالم المغيب في دار الجزاء.

وقد حمل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله الخبر على الدعاء فصار التوسل بصفات جلاله ومنها الفطر للسماوات والأرض، وصفات جماله ومنها إحاطة علمه بالغيب والشهادة ذريعة إلى دعائه، عز وجل، مسألةً أن يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 03 - 2010, 07:46 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير