تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كبرهما، ولذلك جاء النص على ذلك: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فعم ثم خص الكبر بالذكر لكونه مظنة الضعف الذي يقتضي كمال العناية بالأبوين، وبعد الإطناب بإثباب خلال الكمال، جاء النفي لخلال النقص مجملا، فذلك أليق بمقام الثناء كما اطرد في باب الصفات الإلهية، فالرب، جل وعلا، أولى بذلك من العبد بداهة، فـ: لَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا.

فلم يكن جبارا في وصفه فذلك مما اختص به الرب، جل وعلا، فمنازعته إياه مئنة من النقصان الذي تنزه عنه آحاد الصالحين فكيف بخيرة الخلق من الرسل والنبيين، ولم يكن عصيا في فعله.

ثم جاء الدعاء له بالسلام، خبرا أريد به الإنشاء، فذلك أبلغ في الدعاء بالسلامة والنجاة في تلك المواضع الثلاثة، وهي مظنة الضعف والافتقار الذي تعظم فيه منة الرب، جل وعلا، على العبد بالعناية به فيها، وإن كانت منة الرب، تبارك وتعالى، بعنايته بالروح والبدن متصلة في كل وقت، ولكن تخصيص هذه المواضع بالدعاء مئنة من كمال العناية، فسلام عليه حال الولادة وحال الموت وحال البعث، وهو في كلها ضعيف منزوع الإرادة، فلم يأت للحياة باختياره، وإنما قضى الرب، جل وعلا، ما قدره أزلا بخروجه إلى عالم الشهادة في وقت بعينه، وقضى بموته في وقت بعينه، وقد جاء بصيغة المضارعة باعتباره مستقبلا لما يقع آنذاك، وإن وقع زمان نزول الآيات، فالعبرة بحال صاحب الحكاية، واستحضارا لتلك الصورة التي يعظم فيها افتقار العبد إلى رحمات الرب، جل وعلا، ولن يبعث باختياره، وإنما سيبعث إذا شاء الرب، جل وعلا، نشره من قبره فيقوم الناس لرب العالمين يوم العرض الأكبر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 07:56 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)

فاذكر نبأ مريم، عليها السلام، فإن الذكر، كما يقول أبو السعود، رحمه الله، لا يتعلق بالذوات المحسوسة وإنما يتعلق بالمعاني المعقولة، فجاء الذكر مجملا، ثم بين ببدل الاشتمال، فاذكر في الكتاب انتباذها من أهلها مكانا شرقيا، والانتباذ، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مطاوع "نبذ" ثم أطلق على الفعل ابتداء دون سبق فاعل له، فمريم، عليها السلام، اعتزلت أهلها اختيارا فلم ينبذها أحد، فبقيت صورة اللفظ مطاوعة، ومعناه: فعل اختياري وقع ابتداء بلا سبق فاعل له، فليس مطاوعة لفعل الغير، وهذا باب واسع في علم الصرف، فإن الفعل قد يأتي على صيغة تفيد معنى بعينه، ولا يدل عليه، فيكون البناء اللفظي واحدا، ويقع الاختلاف في المعنى، بخروج الفعل عن الأصل في معنى هذه الصيغة لقرينة لفظية أو حالية تمنع حمل الفعل عليها، كالمفاعلة على سبيل المثال، فإنها لا تكون إلا من اثنين، ومع ذلك جاءت بعض الأفعال على صيغة المفاعلة، ولم تدل على وقوع الفعل من اثنين، كـ: عالج فلان الأمر، فإن معالجته للأمر واقعة منه وحده، فتلك قرينة حالية دلت على على إرادة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير